انتهت العطلة الصيفية، وبدأ العام الدراسي الجديد، بدأ وبدأت معه أحلام الطلبة بالتفوق والنجاح، وقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي طمس فرحة النجاح لطلاب الثانوية العامة، وقد اختلطت الفرحة بدماء الشهداء والجرحى وحطام البيوت بسبب العدوان الإسرائيلي الهمجي لثلاثة أيام على قطاع غزة، زاد من سوء الأحوال المعيشية، فبعض الأسر التي هدمت بيوتهم يعيشون بدون مأوى، فضلا عن ذلك لوحظ في الأيام القليلة التي سبقت بدء السنة الدراسية الجديدة، أن حالة من الإحباط سيطرت على المواطنين في قطاع غزة من جراء ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية من ملابس وحقائب وقرطاسية، حتى إنها أصبحت كابوسا يؤرق الأهالي، بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تلقي بظلالها على غالبية العائلات، حيث باتت نسبة كبيرة من العائلات عاجزة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لأطفالها في وقت لجأت أسر فيه إلى الاستدانة، وسط مخاوف على مصير مدارس "أونروا"، لادعائها المعلن منذ شهور سابقة بأزمتها المالية.
لقد أصبح الاستعداد لاستقبال العام الدراسي عبئاً ثقيلاً تتحمله العائلات في غزة كل عام، بسبب الحاجة الماسّة لشراء الملابس المدرسية لأبنائهم، في ظل انعدام فرص العمل وارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة وحالة الركود الاقتصادي في قطاع غزة المحاصر أكثر من خمسة عشر عاما على التوالي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك بانخفاض قيمة الدخل وتدني الأجور والرواتب، وأصبح متوسط دخل الأسرة اليومي أقل من دولارين، ما يعكس حالة من البؤس في قطاع غزة لا مثيل لها على الإطلاق.
تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض سياسة التجهيل للشعب الفلسطيني، بعدة طرق وأساليب تتبعها منذ عقود طويلة، فما يقلقها حقيقة الفلسطيني المتعلم، والمثقف، والشاعر والكاتب، والأديب، والصحفي، والإعلامي، والطبيب، والمهندس، والمعلم... إلخ، لأن هذا يعتبره الاحتلال الإسرائيلي مقاومة وتحديًا لسياساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني سواء كان في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، أو في داخل الخط الأخضر على حد سواء.
فالعدوان الإسرائيلي لا يعني الحرب فقط، بل يشمل كل نهجه وسياساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني، فما يقوم به من تغيير للمناهج الفلسطينية في القدس المحتلة ووضع مناهج تتوافق مع سياسته الصهيونية تمهد لمرحلة تهويد للتعليم بشكل كامل، وما قامت به قوات الاحتلال مؤخرا بإغلاق عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية منها الحقوقية والإعلامية، والثقافية، والتعليمية، والصحية، فما هي الا سياسة عدوانية لمحاربة العلم والمتعلم الفلسطيني بهدف تجهيله عن قضيته الوطنية.
لذا على كل طالب علم فلسطيني جعل من تفوقه العلمي تحديًا للاحتلال، فلا يجعل من الاستعداد للعام الدراسي الجديد استعدادا ماديا ليهتم بشراء الملابس والحقائب إلى غير ذلك من الأمور الثانوية، التي ربما تكون زيادة على كاهل أسرته، وينسى الاستعداد المعنوي والنفسي للعام الدراسي الجديد المتمثل في غرس الأهداف من التعليم على المستوى الشخصي والمستوى الوطني، فالطالب يقضي في المدرسة في اليوم 5 ساعات وفي الأسبوع 25 ساعة وفي الشهر 100 ساعة وفي العام وهي الأشهر الدراسية العشرة من (9- 6) يقضي 100 ساعة، ولكي يتخرج من الثانوية يكون قد قضى 14 ألف ساعة دراسية خالصة، فهل وضحت له الأهداف من هذه السنوات الدراسية، ليس لتحقيق الأهداف الذاتية فحسب، بل يحرص كل طالب علم على جعل رحلته وإصراره على طلب وتحصيل العلم تحديًا للاحتلال وخدمة شعبه وقضيته.