يكاد لا يخلو خطاب صادر عن المستويات الأمنية والعسكرية الصهيونية من ذكر مفهوم الردع في مواجهة التهديدات الداخلية لفصائل المقاومة الفلسطينية وعموم الشعب الفلسطيني، والتهديدات الخارجية، "كالمقاومة في لبنان" وصولًا إلى التهديد قولًا وفعلًا لإيران ذاتها، وخلال السنوات الأخيرة التي برزت فيها من خلال أذرعها في المحيط العربي المنتشرة بعد حوادث الربيع العربي.
والحديث يطول في نقد وقراءة نظرية الردع الصهيوني في أهميتها، لكن نقدم لمحة محدودة هنا كونها نظرية ردع عام تشكلت ضمن مفهوم إظهار امتلاك القوة الفائقة كأحد مبادئ الكيان الصهيوني القائم على (الاستيطان، الأرض، الهجرة، القوة الفائقة، والحليف الدولي)، وعليه كان منطلق نظرية الردع من أحد أهم المبادئ الأساسية للكيان الصهيوني.
هذه القوة الفائقة التي تجعل على الدوام الكيان الصهيوني متقدم للبعد الإستراتيجي وهنًا عسكريًا أمام أي إمكانية لوجود توازن قوة مع دول الشرق الأوسط، لاسيما أن فكرة الردع هي من أجل الحفاظ على الجهوزية القتالية بأعلى مستوياتها خوفًا من ظهور الكيان الصهيوني كجانب ضعيف يمكن أن يتم الانقضاض عليه وإنهائه؛ لذلك يتابع الهاجس العربي للكيان الصهيوني في ذكره لمفهوم الردع على الدوام في اعتباره متحقق من جميع الفعاليات التي يقوم بها الكيان في كل الساحات، لكن المتابع لفعاليات المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية يجدها تقدم عمليات التخريب والإحباط المركّز على أنها أدوات الردع لديها، كما أنها تؤمّن نفسها باتفاقيات التطبيع الأمنية مع البعض في المحيط العربي كجانب مهم من الحسابات وإنجازات الردع المتواصلة مع المحيط العربي.
هذا ويُؤمِن الكيان الصهيوني بأن كل ما سبق من اتفاقيات وفعاليات سيؤخر وقت المعركة القادمة معه، ويبطئ محاولات التموضع العسكري والأمني لكل من يصنفه الكيان الصهيوني كعدو في المنطقة، ومع عدم تجاوز كل ما سبق في أهميته لكن الصورة تبدو مغايرة يومًا بعد يوم؛ فالعدوان الأخير على غزة عنيف وغاشم.
لكن هناك نوع من الردع لـ(إسرائيل) سجله التنظيم (الجهاد الإسلامي) عندما تسبب ببث الخوف والهلع بين مستوطني الكابوتسات، في الأيام التي سبقت العدوان الأخير، التي تم فيها إغلاق وتهجير المستوطنين في محيط قطاع غزة فقط لنوايا كانت لدى التنظيم لاستهداف الكيان الصهيوني.
السؤال هنا: وإن تم توصيف العدوان الأخير على أنه عملية تجريمية مع العنف الطاغي الممارس فيه، فكيف سيتم التعامل مع حركة حماس أو حزب الله في حال دخولها في مواجهة مع العدو الصهيوني؟ مما يشكل في عقل المقدر الاستراتيجي الصهيوني سؤال الردع أمام أحد المخاطر الحقيقية التي لم يخفِ تخوفاته منها زمن العدوان الأخير من دخول حركة حماس للمواجهة كونها ستغير المعادلة، وهذا ما لا يريده الكيان الصهيوني.
هذا وينظر الكيان الصهيوني للمعركة القادمة التي لا مناص منها مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ومواقع الاحتكاك على مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة على أنها معركة تغيير الاتجاه حيث وصلت التجهيزات لدى كل مَن تم تصنيفه كعدو للكيان الصهيوني إلى أعلى مستوياتها في حين وصل الكيان إلى رأس الهرم وبدأ بالبحث عن قواعد داعمة له من خلال التطبيع العربي والتحالفات الأمنية والعسكرية في المنطقة من أجل دعم بقائه في مكانة متقدمة على الجميع، ومع متابعة الكيان الصهيوني لتجهيزات حزب الله العسكرية، وتطور أسلوب قتاله والإمدادات التي تخرج من إيران بالعتاد النوعي، فإن مقارنة بسيطة لنظامية الردع الصهيوني ومرتكزاتها أمام ما يتم إعداده يتبين أن النظرية ما هي إلا نقص مثالي أمام واقعية مغايرة تمامًا لكل الرغبات للكيان الصهيوني.
إن فكرة نظرية الردع والأساس فيها قائم على تخفيف معادلة القوة أمام الأعداء تكمن في تأخير الجولة القتالية القادمة، لكن من تم تصنيفه كعدو لدى الكيان المتحفز اليوم للمعركة أكثر من ذي قبل، وهذا من أبرز أشكال سقوط النظرية وواضعيها في مثالية لم تصمد أمام العاصفة القادمة وما انتصار المقاومة في سيف القدس وسابقاتها إلا علامة لما قد يكون في المستقبل القريب.