الدعوة لعقد المؤتمر الثامن لحركة فتح، بكل ما يحمله من توجهات للمتنفذين في الحركة، يوجه بوصلة القيادة التي تسيطر وتهيمن على النظام السياسي الفلسطيني، لأن الترتيبات لنقل السلطة لا تقتصر على الدعوة لعقد المؤتمر الذي يخدم فقط أجندات حزبية ويرفع من أسهم شخصيات فتحاوية متنفذة تستثمر مثل هذه اللقاءات لتحقيق مكاسب شخصية تنعكس بحيثياتها سلبيًّا على مكونات النظام السياسي وعلى كل أبناء شعبنا في ظل الفساد المُستشرى في السلطة الفلسطينية وحكومتها التي يترأسها "محمد اشتية".
ومن الجدير ذكره أن السباق على السلطة مع زال على قدم وساق، سيما أن زمام الأمور ما زالت في قبضة "عباس" وشريكه المقرب "حسين الشيخ" وبعض الأطراف ذوي العلاقة والمصالح الخاصة ممن لهم أوزان مهمة لدى فريق عباس، وهم المعروفون بالتكتلات المرتزقة على مقدرات أبناء شعبنا في الداخل والخارج، إضافة إلى أن سياسة الإقصاء الحاضرة والمتواصلة والتي ضربت بنيان حركة فتح ومنظمة التحرير لا تزال مطرقة يلوح بها "عباس" في وجه ممن يشار إليهم بالإصلاحيين في حركة فتح والذين زعموا أنهم أصحاب رؤية وإستراتيجيات مهمة لتفكيك عقد الأزمات التي تعطل مسار التسوية مع الاحتلال، أو تنهي بالحد الأدنى الانقسام بين القوى السياسية.
كما لا يمكن التعويل كثيرًا على المؤتمر الذي يدعو له أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح "حسين الشيخ"، كون أن الدعوة للمجلس الوطني والدعوة إلى إنهاء الانقسام والعمل وفق منظومة إصلاحية سياسية شاملة، وتشكيل إطار فلسطيني مؤقت يجمع كافة الفصائل هو بالتأكيد أصبح الخيار الذي قد يجمع عليه الفلسطينيين، وهو الخيار الذي ترفضه حركة فتح، سيما أنه يحقق المشاركة في صياغة الرؤى والمتطلبات التي تعمل على تأهيل النظام والسلطة ومنظمة التحرير، في ضوء الإشكاليات التي تمر بها القضية الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة، والمحاولات الدولية نحو تصفيتها، بالإضافة إلى ما يسمى "التطبيع العربي" الذي بات له دور وتأثير على المدى البعيد في تراجع مكانة القضية الفلسطينية اقليميًا وعالميًا، إلى جانب تعطيل كافة المشاريع الوطنية بما فيها المقاومة الشعبية.
وفي ضوء عدم قدرة حركة فتح على تحديد خليفة "عباس" ليترأس الحركة ومنظمة التحرير، والطبقية التنظيمية التي باتت تؤرق قيادة فتح، لا يمكن تجاوز الكثير من الإشكاليات أو المعيقات المرتبطة بتحديد الشخصية الأقرب بالإجماع التنظيمي الداخلي، وهو ما فشلت به أقاليم فتح في الآونة الأخيرة، مما قد يلاقي قبولاً واسعًا بين أقطاب الحركة للموافقة على عقد المؤتمر الثامن في أقرب فرصة لاختيار رئيسًا جديدًا لفتح، في ضوء احتمالية استقالة "عباس" من قيادة الحركة، وهو ما يشق الطريق نحو الرئيس الجديد للمنافسة على رئاسة السلطة حال أجريت انتخابات عامة وتشريعية، أو التوافق بتعيينه رئيسًا للسلطة بالآلية التي تسعى لها فتح في ضوء الاستبداد، والهيمنة، والتمركز على رأس السلطة، وعدم قدرتها على منافسة حركة حماس في الانتخابات التشريعية.
باعتقادي ان فتح ستكون وحدة واحدة خلال المؤتمر، لأنها تدرك أن الظروف الراهنة لا تخدم أي خلافات داخلية، وتخوض عملية جراحية سياسية دقيقة قد تنجح في معظم مراحلها رغم ما يخيم عليها من انشقاقات داخلية أو تحالفات بين جزء من مستوياتها التنظيمية.