منذ (55) عامًا بدأ الاحتلال الإسرائيلي العبث بالمباني الخاصة بالمسجد الأقصى المبارك والنيل منها، ضمن مخطط ممنهج يسعى فيه لهدمه بالكامل لإقامة هيكله المزعوم على أنقاضه.
ومع استمرار الحفريات أسفل المسجد الأقصى بمدينة القدس تساقط أخيرًا بعض الحجارة من أعمدة المصلى المرواني، إذ بدأ الاحتلال فعليًّا التخطيط لهذا الأمر قبل قرابة 55 عامًا، وتدمير حارتي المغاربة والشرف.
فمنذ اللحظات الأولى للاحتلال الكامل لمدينة القدس عام 1967 باشرت (إسرائيل) تحركاتها لهدم الأقصى رويدًا رويدًا، وأولها هدم "حي المغاربة"، ثم الانطلاق نحو النبش والحفر أسفل المسجد الأقصى، خاصة في المنطقة الجنوبية.
واستمرت حفريات الأنفاق وصولًا لافتتاح النفق الأكبر أسفل الجدار الغربي للأقصى عام 1996، الذي هدد أساسات المسجد ومعالمه التاريخية، ما أدى إلى اندلاع مواجهات استمرت عدة أيام سُميت "هبة النفق" امتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها، ارتقى خلالها 63 فلسطينيًّا، منهم 32 بالضفة الغربية والقدس، و31 في قطاع غزة، في حين أصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.
وامتد النفق من أقصى جنوب المسجد الأقصى إلى شماله، ما تسبب بانشقاقات وانهيارات كبيرة، أدت إلى تصدع أساساته.
وقد اكتشف مراقب التعميرات خلال أعمال الحفر والتدعيم، التي أجرتها لجنة إعمار الأقصى في أساسات ومصلى الأقصى القديم تحت الجامع القبلي عام 1970؛ وجود "سواقيف حجرية" تغطي فضاءات سفلية تحتها.
وفي عام 1998-1999 رممت المصلى لجنة إعمار دائرة الأوقاف بالتعاون مع لجنة التراث الإسلامي، وأغلق الاحتلال فتحة التهوية وعالج الرطوبة في جداره، وبقي هذا المصلى البالغة مساحته نحو ألف متر مربع مغلقًا حتى عام 1998.
وعلى مدار السنوات الطويلة الماضية استمرت الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد الأقصى، حيث سحبت مئات الأطنان من الأتربة والحجارة الصغيرة، حسبما روى شهود عيان مقدسيون.
ففي الثالث والعشرين من تموز (يوليو) عام 2018 وقع حجر صخري كبير من أسفل منطقة المتحف الإسلامي الملاصق لباب المغاربة وحائط البراق بالجدار الغربي للمسجد الأقصى، نتيجة الحفريات الإسرائيلية المتواصلة.
ولم يتوقف الاحتلال عن العبث بأساسات المسجد الأقصى، حتى سقط حجر من العمود في المصلى القبلي المُسمى "مصلى الأقصى القديم"، في المنطقة الجنوبية للمسجد الأقصى في السادس عشر من يونيو الماضي.
وبعد يومين فقط سقط حجران آخران من جدار المصلى القبلي في المنطقة الجنوبية، إذ يؤكد مراقبون وشهود عيان أن معظم تساقط الحجارة يتركز في المنطقة الجنوبية للأقصى، نتيجة كثرة الحفريات الإسرائيلية فيها.
وتمنع شرطة الاحتلال دائرة الأوقاف الإسلامية من أعمال الترميم والصيانة لأسوار المسجد الأقصى، خاصة المنطقة الجنوبية المطلة على التسويات.
ووفقًا لمعلومات حصلت عليها "فلسطين" من خبراء؛ إن عدد الحفريات وصل إلى 58 حفرية على مدار السنوات الطويلة حتى الآن، إضافة إلى افتتاح 101 كنيسة ملاصقة للمسجد الأقصى حتى الآن.
تدمير الوجدان
وأكد نائب مدير أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات أن الحفريات والأنفاق بدأت منذ عام 1967، ما أدى إلى حدوث تشققات، خاصة في المنطقتين الجنوبية والغربية للمسجد الأقصى.
وبيّن بكيرات خلال حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن الأنفاق كانت أسفل الأبنية الإسلامية في المسجد الأقصى، إذ إن المسجد العثماني سقط في السبعينيات، وفي الثمانينيات وصلت الحفريات إلى ساحات الأقصى القديمة.
وأوضح أن تساقط الحجارة يكثر في مناطق الحفريات أسفل الأقصى، مشيرًا إلى أن الحديث يدور عن إعادة الترميم، "لكن دون تنفيذ فعلي على أرض الواقع".
وحسب قوله؛ إن الحفريات وتساقط الحجارة استمرا حتى سقط الحجر الكبير الذي يزن نحو 280 كيلوجرامًا في المنطقة الجنوبية للمسجد الأقصى عام 2018.
"ويتركز سقوط الحجارة على طول الحائطين الجنوبي والغربي، إذ إن تلك المنطقة تشهد تشققات كثيرة في مناطق الخاتمية وحائط البراق والمدرسة الأشرفية" والكلام لبكيرات، الذي أشار إلى أنه أينما وجدت حفريات عميقة كثُر تساقط الحجارة.
وعدّ تساقط الحجارة "تدميرًا للوجدان والعمق والقضية الفلسطينية"، إذ إن كل حجر يحكي قصة عن التراث والتاريخ الفلسطينيين.
ورأى بكيرات أن مخاطر تساقط الحجارة تكمن في استئصال الوجود المعماري للمسجد الأقصى، إذ إن الاحتلال يسعى لهدمه من أجل بناء الهيكل المزعوم، إضافة إلى خلق رواية يهودية مزيفة عن مدينة القدس.
وعن دور الأوقاف مما يجري في الأقصى قال: "إن الاحتلال يحارب الوصاية الأردنية منذ عام 2000، ويسعى لإزالة دورها بالكامل، ما يجعل دورها ضعيفًا تجاه ما يجري".