مع انطلاق العملية الانتخابية الإسرائيلية تحضيرًا للجولة الخامسة المبكرة في نوفمبر، لم يأخذ الموضوع الفلسطيني حيزًا لافتًا في برامج الأحزاب المتنافسة، مع اقترابها من فرضية "ترحيل" التعامل معه، والعمل بمنطق "إدارة الصراع، وليس حلّه"، لمصلحة الحديث في قضايا داخلية: اقتصادية واجتماعية ومعيشية.
مع أن الانتخابات الأربعة السابقة منذ عام 2019 شهدت تقاربًا ملحوظًا في المواقف الحزبية من الموضوع الفلسطيني، مع بعض الاختلافات الجزئية هنا وهناك، وربما عاد هذا التقارب لعدد من الأسباب، فلسطينية وإسرائيلية، أهمها وجود حالة من التفاهمات الإسرائيلية الضمنية من القضايا الأكثر إشكالًا وجدلًا مع الفلسطينيين، لا سيما فيما يتعلق بالحدود الدائمة والكتل الاستيطانية والقدس واللاجئين.
لقد تقارب المتنافسون الإسرائيليون في برامجهم الانتخابية فيما يتعلق في الموضوع الفلسطيني، فتشابهت تصوراتهم المقترحة من الحلول المفترضة للقضايا العالقة مع الفلسطينيين، رغم وجود تباينات بدأت تظهر أخيرًا فيما يتعلق بمستقبل العلاقة معهم، بمفاوضات مباشرة، أو فرض حلول من جانب واحد، على غرار خطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة 2005.
يمكن لنا أن نرى مثلًا الضيف الجديد على الساحة الحزبية الإسرائيلية القادم من قيادة الجيش، وهو غادي آيزنكوت، الذي تحالف مع رفيقه بيني غانتس وغدعون ساعر في إقامة حزب "المعسكر الوطني"، مع العلم أن الجنرالين آيزنكوت وغانتس مع مبدأ تحديد خطوط حدود آمنة ودفاعية توفر أقصى الأمن للإسرائيليين، تشمل الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، والمناطق الأمنية، ومن ضمنها غور الأردن، والمحافظة على القدس موحدة، وضمان أغلبية يهودية في دولة الاحتلال.
يمكن إضافة رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد، وزعماء أحزاب العمل وميرتس وأزرق-أبيض، ممن يعتقدون أن هذه الخطوة دافعها الأساسي الرغبة الإسرائيلية بتقليص الاحتكاك بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، مع التشديد على أن هذه الحدود الأمنية لن تمسّ -حسب تأكيد الجهات الإسرائيلية ذاتها- بقدرة الجيش والجهات الأمنية على العمل ضد المقاومين في الضفة الغربية.
عند النظر في مسألة العدوانات المستمرة على الفلسطينيين بين حين وآخر، وآخرها العدوان على غزة؛ توجه مختلف الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية إشادتها بأداء الجيش من الناحية العسكرية، لكنها في الوقت ذاته لا تتردد في الاعتراف بأن المستوى السياسي أخفق في ترجمة ما تدّعيه تفوقًا عسكريًّا إلى نصر في الحرب، والنتيجة المباشرة أن الاحتلال ما زال عاجزًا عن كبح جماح المقاومة، وما تشكله من تهديد لعمق "الدولة".
صحيح أن معظم هذه المواقف تدور في خضم الانشغال بالدعاية الانتخابية، وتقديم وعود مجانية للناخب، لكن جزءًا منها وجد طريقه فعليًّا للتنفيذ عبر العدوان الأخير على غزة، واستمرار الاغتيالات في الضفة، بما يتجاوز ابتزاز اللحظة الانتخابية إلى كونه نهجًا دائمًا، وليس موسميًّا أو انتخابيًّا.