أمسك عثمان قلجاوي مهدّة (مطرقة كبيرة) يقوض بها حجارة غرفة صغيرة بناها في فناء منزل ضاق بأصحابه، لكن قيمة المكان والجوار تمنعه من المغادرة، حيث تلاصق جدران المنزل الكائن في حارة باب حطة جدار المسجد الأقصى.
قبل أن يبدأ عثمان بهدم بيته قسريًا صبيحة 13 أغسطس/آب الجاري، أخذ يفرغ البيت بمعاونة ابنه حمزة "12 عامًا" من ذكريات، وألعاب، وأثاث، ومع كل حجر يسقط كانت الدنيا تضيق في صدره.
يقول عثمان إنّ بيته يلاصق سور المسجد الأقصى، ويعيش فيه برفقة والدته التي تزوجت في البيت نفسه، وقد ورثه والده عن أجداده.
ويوضح لـ"فلسطين"، أنّ عمر البيت يزيد على 100 عام، يفوق عمر دولة (إسرائيل) المزعومة، ولا تتعدى مساحته 40 مترًا، ويتكون من غرفة واحدة وصالة ودورة مياه ومطبخ، وحديقة صغيرة.
تزوج عثمان في هذا البيت وأنجب خمسة أطفال يعيش جميعهم في غرفة واحدة، ضاق البيت بأصحابه، فقرر قبل أربع سنوات بناء غرفة صغيرة في فناء المنزل ليتوسع بها أطفاله.
يضيف: "حينما علمت بلدية القدس بالأمر، طلبوا إثبات ترخيص للغرفة، وحينما تقدمتُ بمنحي ترخيص رفضوا منحي إياه، ومنذ أربع سنوات أتابع في المحاكم الإسرائيلية دون فائدة، حتى سلموني أمرًا بالهدم منذ شهرين ودفع غرامة مالية بقيمة 50 ألف شيقل مع هدم الغرفة خلال عام".
يتابع: "رفضت دفع الغرامة وأخبرتهم بأني سأهدم البيت ذاتيًّا، فلا أمتلك المال لدفع الغرامة، فالمقدسيون يعانون أوضاعًا اقتصادية غاية في الصعوبة، وبالكاد يستطيعون تأمين حياة كريمة لأطفالهم".
ويمضي إلى القول: "أبعدتُ أطفالي برفقة أمهم عن المنزل، حتى لا يتأزم وضعهم النفسي في أثناء هدمي للبيت فقد تعلقوا بغرفتهم وبمكان لعبهم".
ويلفت إلى أنّ جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية الإسرائيلية تلاحقه منذ سنوات، وتدّعي أنها تمتلك أوراقًا تثبت أنّ البيت يعود إلى مواطن روسي يعيش في أمريكا وقد اشترت منه الأرض.
و"عطيرت كوهنيم" تعني حرفيًّا (تاج الكهنة)، جمعية إسرائيلية استيطانية تعمل على خلق أغلبية يهودية في البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية في شرقي القدس، وتملك مدرسة دينية (يشيفا) في الحي الإسلامي في البلدة القديمة من القدس.
ويُقدّر عدد المستوطنين الذين يقطنون في المنازل التي استولت عليها "عطيرت كوهنيم" في البلدة القديمة منذ إنشائها عام 1978 بألف مستوطن.
وتركّز نشاط الجمعية في العقدين الأخيرين في بلدة سلوان، وذلك بالتحالف مع جمعية "ألعاد". ويُعدُّ رجل الأعمال الأمريكي إيرفينغ موسكوفيتش وزوجته من أبرز المتبرعين للجمعية.
ويشير قلجاوي إلى أنه يعاني اعتداءات واستفزازات المستوطنين المستمرة ليرغموه على الرحيل، لافتًا إلى أنّ بلدية الاحتلال تمنح المستوطنين تراخيص لبناء بيوت وساحات ألعاب، أما المقدسيون ترفض منحهم التراخيص مطلقًا.
ويختم حديثه: "القضية ليست قضية عثمان وحده، بل ملايين المقدسيين يعانون من السكن في البلدة القديمة، حيث يرفض الاحتلال منحهم تراخيص للبناء، وفي حال رغبوا في بناء منازل خارجها يقطعون عنهم التأمين الصحي، فهم يحاربوننا في شتى النواحي".
لن نغادره
أمام البيت جلست والدة عثمان على كرسي بلاستيكي تنظر بأسى وحزن بالغَين إلى ابنها وهو يهدم جزءًا من حياتها التي شيّدتها بأنفاسها، فقد تزوجت فيه وشهد إنجاب أبنائها، وأحفادها.
تتساءل والدة عثمان "75 عامًا"، أين سنذهب، هذا البيت تزوجت فيه وربت أبناءها وأحفادها وأبناءهم؟ ولم يعد في العمر بقية لترحل عنه، "فأنا مقعدة أتنقل على كرسي كهربائي، أعاني أمراضًا عدة".
وتردف: "حينما شاهدت ابني وهو يقوم بهدم البيت بيده شعرت بأن جسدي ينهدم، وأنّ قلبي سيتوقف عن النبض حزنًا وألمًا".
وتؤكد الأم الصابرة أنها صامدة على هذه الأرض، ولن تغادر بيتها مهما دفعت من ثمن، فهو حقٌّ خالص لها.
وتشير إلى أنّ المستوطنين يحاولون التضييق عليها وعلى ابنها، حتى يُسلّمه للجمعية الاستيطانية، ويتم طردهم خارج البلدة القديمة، مشددة على أنهم لن ينالوا مرادهم وسيبقون متمسكين بحقّهم حتى آخر نفس.