فلسطين أون لاين

تقرير "جولدن سلسبيلا".. مشغولات المعادن الثمينة بأيدٍ ناعمة

...
جولدن سلسبيلا والمعادن الثمينة
غزة/ مريم الشوبكي:

أمسكت سلسبيل حسونة المبرد لتفرغ فيه خريطة فلسطين التي وضعتها على طاولة خشبية وصنعتها من الفضة، ومن ثم أخذت تنعم الحواف، قبل أن تدخلها في ماتور "البولش" لعمل الرتوش الأخيرة لها قبل وضعها في سلسلة فضية، وتسليمها للزبونة.

حولت الشابة العشرينية غرفة في بيتها الواقع في مدينة غزة إلى مشغل لصياغة المعادن الثمينة باسم "جولدن سلسبيلا". في زوايا الغرفة عُلقت العديد من المنتجات التي انفردت بها "سلسبيل" كمنحوتة صورة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وجيفارا، ومقولة شعرية للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

درست سلسبيل التمريض، ولندرة فرص العمل اتجهت لموهبتها في التطريز برفقة والدتها وأخواتها اللاتي يحترفنه أيضًا، ولكنها أحبت أن تحترف حرفة أخرى فيها من الدقة ما يناسب مهاراتها.

قدرًا وجدت سلسبيل إعلانًا على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن دورة لصياغة المعادن الثمينة التي ربما في كثير من الأحيان يبرع فيها الرجال، لم تتردد للحظة في التسجيل، وخاضت سبعة أشهر من التدريبات المكثفة حتى أتقنتها، وحصلت لتفوقها على تمويل يسير لمشروعها الذي بدأته من بيتها قبل أربعة أشهر.

تقول سلسبيل لـ"فلسطين": "خرجت عن المألوف وفكرت خارج الصندوق، وأردت تعلم حرفة ليست متداولة في قطاع غزة، لكي تفتح لي آفاقًا للعمل والكسب".

وتتابع: "وجدت في صياغة المعادن الثمينة حرفة مكملة لحرفة عائلتي وهي التطريز، فأصبح لدي مشروع مرادف لمشروعهم إذ أستفيد من خبرتهم في بعض الأمور".

بدأت سلسبيل مهاراتها الحرفية التي تعلمتها بصياغة الفضة، مستعينة إلى جانبها بصناعات من المعادن الأساسية الأخرى كالنحاس الذي يدخل في المشغولات الذهبية، والذي باتت الحلي المصنوعة منه دارجة في الأسواق وتباع تحت اسم "ذهب صيني"، وتصنع منهم كذلك إكسسوارات، وميداليات.

وتروج سلسبيل منتجاتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتقول إن الأمر بدا صعبًا في البداية، "ورويدًا رويدًا بدأ الناس في التعرف إلى ما أصنعه، ويستفسرون عن شراء الحلي والمشغولات التي أقدمها".

تشكيلات يدوية

ولا تستخدم سلسبيل آلات "سي أن سي" في تشكيل المشغولات خاصة تلك التي تحتاج إلى تفريغ، بل تعتمد على حرفية يديها من الألف إلى الياء، وعن المعدات التي تستخدمها تذكر أنها تستخدم طاولة نشر، ومنشار "أرتك يدوي"، ومبردًا، و"برداخًا" و"مقدحًا ثابتًا"، وماتور تنعيم وتلميع "البولش".

وصياغة المعادن الثمينة ليست بالحرفة السهلة، فهي تحتاج إلى دقة عالية، وصبر، وتركيز عالٍ من بداية رسم التصميم، حتى وضع اللمسات الأخيرة.

وعن تصنيع الذهب الصيني، تجيب سلسبيل: "في البداية أقوم بتفريغ التصميم الذي تريده الزبونة على قطعة نحاسية، وبعد الانتهاء منها أرسلها إلى الصاغة في سوق الذهب بغزة ويقومون هم بطلائها بماء الذهب.

وتلفت إلى أنها تقضي نحو ساعة ونصف في صناعة الميدالية، أو "تعليقة" العقد، مشيرة إلى أن مدة تشكيل أي عمل يتوقف على حجمه، أكبرها كان بحجم 11 سم طولًا * 7 سم عرضًا.

وتقول سلسبيل إن أسعار منتجاتها في متناول الجميع، إذ يصل سعر العقد مع تعليقته من الذهب الصيني إلى نحو 60 شيقلًا.

وعن أكثر المعادن إقبالًا، توضح أن الأغلب يقبل على شراء مشغولات "الذهب الصيني"، في ظل ارتفاع أسعار الذهب والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الغزيون وتجعلهم يعزفون عن شرائه.

وتؤكد سلسبيل أن مشغولات الذهب الصيني طبق الأصل عن الذهب العادي شكلًا، ولا يتغير لونها طالما تمت المحافظة عليها بعيدًا عن العطور.

مساعٍ للتطوير

وعن المعوقات والصعوبات التي واجهتها، تبين أنها واجهت في البداية صعوبة في توفير المعدات وقطع الغيار بسبب عدم توفرها في السوق المحلي، إضافة إلى تحفظ مدربي الدورة على أسرار الحرفة، التي تطلبت منها جهدًا كبيرًا في البحث حتى تتمكن من إتقان بعض الأمور.

ولا تكتفي سلسبيل بصناعة الحلي للسيدات بأسمائهن، وحتى بخريطة فلسطين المُفرغ بها اسم فلسطين وهي الأكثر إقبالًا من بين جميع المشغولات، بل أدخلت مشغولات أخرى وهي رموز التخصصات الجامعية، كالسماعة الطبية، والميزان لطلبة المحاماة.

وتسعى سلسبيل لتطوير نفسها، فهي تتطلع في قادم الأيام إلى تطوير عملها وإدخال تصاميم جديدة، كدمج التطريز الفلاحي في المعادن الثمينة التي تصنعها، بتصنيع دروع التكريم، والبراويز.

وتطمح سلسبيل إلى أن تصبح "جولدن سلسبيلا" ماركة خاصة بها تجوب العالم بمنتجاتها التي تحمل صُنع في فلسطين وبأيدٍ فلسطينية.

وتختم حديثها لكل شاب وشابة: "لا تنتظروا فرصة الوظيفة لتأتي إليكم، بل ابحثوا واسعوا، منكم السعي وعلى الله السعة، ليس من الضروري أن تعملوا بتخصصكم، بل ابحثوا بداخلكم عن موهبة، أو حرفة تتقنونها واعملوا على تنميتها واتخذوا منها مشروعكم الخاص لتكون مصدر رزق لكم".