فلسطين أون لاين

في سبيل انتشال محاصرين تحت أنقاض بيت مجاور

تقرير "القيسي" و"روحي" بعد هدم بيتهما: لا شيء يُذكر أمام أرواح الناس

...
رفح/ صفاء عاشور:

في موقفٍ مشرّف و"متوقع" من أهل مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وافق مواطنون من سكان مخيم الشعوث على هدم منازلهم لفتح الطريق أمام آليات الدفاع المدني من أجل انتشال المحاصرين تحت أنقاض منزل عائلة المدلل الذي قصفته طائرات الاحتلال الإسرائيلي ليل الأحد الماضي.

طبيعة المنازل، وتلاصقها، وضيق الأزقة، جعلت مهمة وصول سيارات وعمّال الدفاع المدني إلى البيت المستهدف أمرًا شبه مستحيل، وهو ما استدركه مواطنون عندما سمحوا بهدم منازلهم لتمر آليات الإنقاذ. أشرف القيسي أحدهم.

"قرار لن أندم عليه ما حييت" يقول لـ "فلسطين"، مضيفاً: "أرواح جيراني، وأطفالهم، أغلى من بيتي ومن كل شيء على هذه الأرض، وثقتي بعوض الله لي قوية".

القيسي الذي يعمل بائعاً متجولاً للمعجنات (العوجا)، لا يتعدى دخله اليومي الشواقل التي لا تسد احتياجاته ولا احتياجات عائلته، ولا تغطي مصاريف علاجه من مرضَي الضغط والسكر الذي يعانيه، إضافة إلى مصاريف أولاده الخمسة، وابنته.

يتابع الرجل بعنفوان: "بيتي هو كل ما أملكه أنا وعائلتي، وبعد هدمه أصبحنا في الشارع.

لم أستطع إخراج إلا بعض الأثاث والملابس الخاصة بأطفالي قبل عملية الهدم"، مشدداً على أن أرواح الناس أهم من أي شيءٍ آخر.

قبل أن يتخذ القيسي قراره، كان يتابع بحسرة، ومن كثب، عمال الدفاع المدني وهم يحاولون الوصول إلى المحتجزين تحت أنقاض المنزل المكون من ثلاثة طوابق. "مرّت خمس ساعات على المحاولات التي باءت بالفشل بسبب تلاصق البيوت في المخيم، وهنا كان لا بد من قرار حاسم".

يندم القيسي على شيءٍ واحد، وهو تأخره في اتخاذ قراره بهدم بيته طوال ذلك الوقت، "فلو أنني اتخذته في وقت أبكر لكان بالإمكان أن يكون أحد الشهداء حياً".

ويستدرك: "لكن هذا هو قدر الله، ونحمد الله على سلامة المصابين الذين خرجوا من تحت الأنقاض، ونسأل الله لهم الشفاء العاجل، موضحًا أنه سيعمل من جديد على إعادة بناء المنزل، سواءً بجهوده الذاتية أو بمساعدة جهات يمكن أن توفر له الإمكانات اللازمة.

وقال: "فرحة الأمهات بسلامة أبنائهم لا تعوض ولا تقارن بأي شيء آخر"، ملفتًا إلى أن زوجته وأحد أبنائه أصيبا في قصف الاحتلال لمنزل عائلة المدلل، وخوفه عليهما هو ما دفعه إلى الإحساس بمعاناة من يوجدون تحت الأنقاض.

ويضيف في ختام حديثه: "تمنيتُ أنه مثلما خرجت زوجتي وطفلي بإصابات فقط، أن يخرج كل أبناء الجيران بسلامة، ومهما كان الثمن".

أرواح غالية

خالد روحي، هو الآخر جارٌ لعائلة المدلل، ويسكن في عمارة مكونة من خمسة طوابق، وتحتوي على 9 شقق سكنية تقابل البيت المقصوف. لم يتوانَ أبدًا عن السماح لآليات الدفاع المدني بهدم السور، وتجريف الأشجار المحيطة بمنزله، من أجل الوصول إلى المنزل المدمر.

وقال لـ"فلسطين: "الليلة الماضية كانت صعبة للغاية على الجميع، فأمام دماء الشهداء والجرحى يرخص كل غالٍ"، لافتاً إلى أن الحجر يمكن ترميمه وإعادة بنائه "ولكن خسارة الإنسان لا يعوضها شيء أبداً".

وأضاف روحي: "عمال الدفاع المدني احتاجوا إلى أكثر من خمس ساعات من أجل إخراج المحتجزين تحت الركام، وهذا ما دفعنا إلى التضحية بممتلكاتنا من أجل المساعدة".

وأردف: "جميعنا في المخيم عائلة واحدة، نقف إلى جانب بعضنا بعضًا"، مشيرًا إلى أنه استضاف عائلة المدلل في منزله إلى حين استقرار الأوضاع".

وكانت طائرات الاحتلال قصفت ليلة الأحد، ثلاثة منازل سكنية تعود لعائلة المدلل في مخيم الشعوث بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، وهدمت المنازل فوق رؤوس ساكنيها دون أي تحذير أو إنذار، ما أسفر –وفق إعلان وزارة الداخلية- عن استشهاد ثمانية بينهم طفل يبلغ من العمر 14 عاماً، وثلاث سيدات.