مع انطلاق الانتخابات الإسرائيلية، وتغييب النقاش فيها حول القضية الفلسطينية لإهمالها وتهميشها، تبدي محافل إسرائيلية قلقها من الوقوع في "فخّ إستراتيجي" متصاعد لأكثر من نصف قرن، لأن الوضع الحالي سيؤدي لدولة واحدة ثنائية القومية، مع أن غالبية الجمهور اليهودي تعارض الانفصال عن الفلسطينيين.
منذ حرب 1967، يواجه الاحتلال معضلة إستراتيجية حادة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولا سيما في سياق السيطرة على الأراضي المحتلة، من حيث ضمان الأغلبية اليهودية في الدولة من جهة، ومن جهة أخرى عدم تقسيم الأرض، والحفاظ على المصالح الأمنية الوجودية للاحتلال، وبينهما السعي للحفاظ على الوضع الراهن.
يعيد تهميش القضية الفلسطينية لأذهان الإسرائيليين اتخاذ عدة قرارات غيّرت الواقعين الفلسطيني والإسرائيلي، ومنها: اتفاق أوسلو، جدار الفصل العنصري، الانسحاب من غزة، والنتيجة الطبيعية لهذا الواقع المتناقض في الأراضي الفلسطينية، من وجهة النظر الإسرائيلية، يعني وقوعها في فخّ إستراتيجي يتفاقم، فاستمرار الوضع الحالي سيؤدي لإقامة دولة واحدة، وهو سيناريو ترفضه غالبية اليهود، وفي الوقت ذاته فإن النقاش حول الانفصال آخذ في التلاشي.
في حين أن استطلاعات الرأي كشفت في السنوات الأخيرة عن نتيجة متناقضة تفيد بأن غالبية اليهود يعارضون قيام دولة فلسطينية، وفي الوقت نفسه يرفضون العيش مع الفلسطينيين بنفس الكيان، ما أسهم بدوره في إيجاد مجموعة متنوعة من الأفكار الوسيطة، مثل الحدّ من السيطرة على الفلسطينيين، وتقليل الاتصال معهم، دون الحاجة لفصل الأراضي، والحكم الذاتي، وكونفدرالية إسرائيلية فلسطينية.
بنيت هذه الأفكار على "السلام الاقتصادي"، وتهميش التطلعات الوطنية للفلسطينيين، ما يجعلها بمنزلة أوهام ليس أكثر، وغير قادرة على تنفيذ الحل العملي للقضية الفلسطينية، وفي حقيقتها ذات طريق أطول، وأكثر تعرجًا، سينتهي في النهاية بإذابة دولة الاحتلال مع الدولة الفلسطينية، مع أن السبب هو فقدان البوصلة السياسية لديها؛ وهيمنة حكومات قصيرة العمر فيها، تجد صعوبة في إجراء مناقشة متعمقة وصياغة إستراتيجيات طويلة الأجل، ناهيك بالعجز عن اتخاذ القرارات التاريخية.
أوساط إسرائيلية، ومنهم مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة (تل أبيب)، يعترف بأن جميع البدائل التي يواجهها الاحتلال اليوم صعبة وقليلة، وأن أقلها سوءًا تجسد مخاطر وتحديات للمستقبل، لكن ما يواجهه حاليًا هما خياران إستراتيجيان فقط: أواهما الاستمرار في الاندماج في الدولة اليهودية، وثانيهما الفصل المادي، دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهذا لا يخلو من التهديدات الأمنية والتحديات السياسية، على الرغم أن الاحتلال أهدر وقتًا ثمينًا من السنوات في الفوضى السياسية، بسبب عدم وجود تفكير إستراتيجي عميق، وعدم القدرة على الحفاظ على الوضع الحالي لمدة طويلة.