تستمر السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو الرامية لبناء حكم ذاتي فلسطيني في المساهمة المباشرة وغير المباشرة في هدم الفكرة الوطنية والتحرر والوحدة الوطنية على الأسس والثوابت التي لا تختلف عليها الفصائل، لتغطيها بذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تكتفِ بشطب الكفاح المسلح من الميثاق وحسب؛ وإنما عززت الفرقة العربية في إطار القرار الفلسطيني المستقل الذي وبعد أوسلو مباشرة تحول إلى قرار منظمة التحرير المستقل ولاحقا بات قرار حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح المستقل.
إفراز ونتيجة صعبة بعد قرابة ٣٠ عاما من وهم التسوية المبني على دولتين في أحسن الأحوال؛ دولتنا فيها منزوعة سلاح وسيادة وبلا حدود وعمق ومياه، توالت الأحداث وانحسر القرار الفلسطيني في يد فئة قليلة حتى في حركة فتح فاختلط قرار المصلحة بالأمن وتمت تغطيته بالمشروع الوطني وملف التحرير والسقف الزمني والمناشدات الدولية.
هنا وفي ظل حالة التحول من الثورية إلى الحكومية والرسمية التي انعكست على كل أروقة منظمة التحرير بات الأمر أكثر تعقيدا بين التحول للحكومة والبقاء على منهج ثورة منزوعة الكفاح من ميثاقها.
جاءت حاجة العالم لوجود حكومة منتخبة تفرزها دوائر منتخبة ورئيس منتخب، وبغض النظر عن شكليتها وعمقها ونزاهتها جرت انتخابات تشريعية عام ١٩٩٦ حيث خرجت النتائج قبل إغلاق الصناديق، واعترف العالم بما يرونه بحسب مقاساتهم أنه قابل للتعاون معهم، وبعد أن بدأت انتفاضة الأقصى كان القرار الأمريكي الإسرائيلي بعزل الرئيس الراحل ياسر عرفات وحصاره واغتياله ومن ثم إجراء انتخابات شكلية أفرزت الرئيس الحالي منتهي الصلاحية محمود عباس، ليكون الاتحاد الأوروبي مشترطا الدعم بوجود انتخابات وهيئات منتخبة حتى يمرر الدعم في ميزانية الدولة أمام برلماناتهم أنه لصالح جهة منتخبة، فكانت انتخابات محلية تلتها تشريعية عام ٢٠٠٦، فكانت الصدمة حيث جاء قرار عزل النتيجة وصوت الشعب فورا وقطع العلاقات والحصار من أمريكا والاحتلال وكل البلدان.
هناك جاءت خطط دايتون ومولر وغيرهم من معادلات الالتفاف والانقلاب على رأي الشعب والحكومة المنتخبة ومنع الرواتب وغيرها من الإجراءات التي كانت وضعتها الرباعية الدولية لأخذ مقاسات محددة لتمثيل الشعب.
وبعد ذلك منعت الانتخابات حتى عام ٢٠٢١، وحينما تقررت إقامتها بتوافق فلسطيني ورعاية عربية جاءت صدمة أخرى بمرسوم رئاسي يلغي صوت الشعب ويبقي على لغة المراسيم الصادرة عن مجموعة أشخاص.
وبرغم حالة الحراك في النقابات والانتخابات في بعضها ومجالس الطلبة إلا أن هناك من طبيعة لغة السلطة منعًا مباشرًا لإجراء أي انتخابات تشريعية ورئاسية، تلك المعادلة التي أفشلت لقاءات ليست أولها صنعاء ومكة والدوحة وليست آخرها الجزائر والقاهرة.
في ظل معطيات تشير إلى أن معادلة الشعب لا يمكن أن تدخل في حسابات الإقليم أو السياسة الأمريكية، وهذا يعني أن الفيتو على الانتخابات سيتعزز ما يقودنا إلى شلل كامل على مسار المصالحة الفلسطينية الداخلية وضعف في الموقف السياسي الرسمي كونه غير منتخب، ولا يسير ضمن آلية ديمقراطية يختارها الشعب.
ونقطة ثالثة وهي مرتكز مهم لدى الاحتلال أنه سيستفرد بالحلقة الأضعف غير المنتخبة والتي تقود ضمن المنهج الأمني، وهذا يعني أن الابتزاز السياسي سيكون سيد الموقف، من جانب آخر فإن عدم موافقة حركة فتح على إجراء الانتخابات وإيجاد تبريرات دائمة لتأجيلها أو إلغائها ينعكس على كل الشرائح الفلسطينية والهيئات والنقابات ما يولد حالة عدم ثقة عامة لدى الشارع وانفلات من أخلاقيات وأبجديات التعامل الفصائلي أو الحكومي؛ لأن حالة البرزخ السياسية الحالية لن تلبي حاجة المواطنين الحياتية وستصطدم بالفساد والترهل الإداري، وأيضا لا تلبي الحاجة السياسية المبنية على توافق وطني لبناء دولة فلسطينية أو على الأقل لتمثيل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وتفعيل طاقاته لبناء الدولة الفلسطينية، أو على الأقل المقاومة والصمود.