لم يغِب والده؛ القائد في حركة حماس وكتائب القسام محمد برهوم عن مشهد تفوقه وإن غاب جسده عقب اغتياله في العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، إذ ظلّ هدف "علي" الأساسي رفع ذِكر والده، فكانت دماؤه التي سالت لأجل الوطن تنير له طريق سلاح العلم كما حمله والده من قبله.
بعد سنةٍ متعبة، كانت مليئة بالمصاعب والعثرات والتحديات، استطاع علي تجاوزها وتضميد جراحه، وتجاوز ألم الفقد وإن كان الجرح لا يزال غائرًا ولم يلتئم مع مرور ثماني سنوات على العدوان، فغصة الرحيل تبقى حاضرة، خاصةً في مناسبات الفرح التي يكون فيها أحوج ما يكون لحضن والده وتربيتاته ليرى ثمرة تعبه وحصاد تربيته التي أثمرت زرعًا ونجاحًا وتفوقًا.
وحصل علي برهوم على معدل 93.4% بالفرع العلمي، لتغمر بذلك الفرحة عائلته التي كانت تنتظر نتيجته بفارغ الصبر "لقد بذلت جهدًا كبيرًا، فكم من ليالٍ لم ننم حتى نصل إلى هدفنا ومرادنا، وقد كان الأهل خير معين وسند خاصةً أمي".
ولم ينسَ علي حرص والده الشهيد على تشجيهم على المذاكرة والدراسة بالجوائز المادية والمعنوية ليكونوا من المتفوقين، فكان يريد دائمًا أن يكونوا في أعلى المراتب.
رغم الفقد وعيْش اليتم مبكرًا في حياته، فإن عليًّا نهض من بين ركام الحزن ورمم جراحه وواصل "كان أبي دائمًا في مخليتي، كنت أرى طريقًا رسمه لي، وهذا خير دافع لإكمال الطريق متفوقًا متميزًا ناجحًا، كنت دائمًا أرسم في ذهني فرحة نجاحي، أنتظر رؤية فرحته في هذا اليوم، لكن شاءت الأقدار أن يستشهد، ولو كان حيًّا لغمرته السعادة والفرح بأنني كنت عند حسن ظنه بي، ولتضاعفت فرحتنا".
فرحة الزفاف والتفوق
شذا حامد أبو عودة، لم يزِد عمرها على شهرين لحظة استشهاد والدها عام 2004 في أثناء تصديه لاجتياح إسرائيلي لبلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، وهو أحد القادة الميدانيين لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فكبرت هي وأشقاؤها الثلاثة في حضن والدتهم التي كرست حياتها لأجلهم، فقد تفوق الأبناء وتنافسوا في الامتياز، وختمت أصغرهم شذا التفوق بحصولها على معدل 94.6% في الثانوية العامة بالفرع الأدبي.
قبل أسبوعين عاشت شذا فرحتها الأولى بزفافها عروسًا، ثم زُفت في فرحة تفوقها بالثانوية العامة بمعدل "يرفع الرأس".
الفرح ينبعث من صوت أمها لصحيفة "فلسطين": "الحمد لله، صبرتُ ونلت أجر صبري، فالتعب لم يضع هدرًا، عشنا معها فرحة زفافها وفرحة تفوقها، رغم حسرتها وغصتها على فقدان والدها".
ورغم صعوبة الفقد، إلا أنها تجاوزت تحديات وصعوبات عديدة، تقول والدتها: "الفقد صعب لكن يمكن أن يكون دافعًا للنجاح وترك بصمة بالاعتماد على النفس، كنت في بداية الطريق وقد كان زوجي بحكم عمله المقاوم يغيب كثيرًا عن الأنظار وقد هيأت نفسي لهذا الواقع وربيت أبنائي على الافتخار به والعيش على سيرته".
تترك تجربتها بعد تخريج أربعة متفوقين لباقي نساء الشهداء: "أنصحهن بأن يعشن لأبنائهن، فلن يستطيع أحد غير أمهاتهم تعويض غياب الأب، ستكون أول الحياة صعبة، لكن الله سيعينهن، فلا يستسلمن، فنحن في أرض رباط وجهاد، وقدر لنا هذا الابتلاء بالفراق، فلا تجعلن أبناءكن يدفعون ثمن اليتم".
وتنوي شذا دراسة اللغة الإنجليزية في حياتها الجامعية لمخاطبة ضمير العالم باللغة التي يفهم، لتروي قصتها وقصص أبناء الشهداء، كيف عاشوا مرارة الفقد وتغلبوا عليه، لتكون نموذجًا يحتذى به.