فلسطين أون لاين

تقرير سوق الذهب.. قيسارية مملوكية وميزان الواقع المعيشي في غزة

...
سوق القيسارية - غزة
غزة/ هدى الدلو:

في وسط قطاع غزة حيث يقع سوق القيسارية التاريخي الملاصق للمسجد العمري من الجهة الجنوبية، وهو إرث مملوكي عمره أكثر من 500 عام.

و(القيسارية) كلمة يونانية، بمعنى السوق، وأطلقت بعد ذلك على الشوارع التجارية في المدن، وكانت تنسب لأصحابها أو لما يُباع فيها، واستمرت في جميع العصور الإسلامية، وضمت عددًا من الحوانيت، وهي مشابهة للأسواق، وكانت كل قيسارية مستقلة بذاتها تأخذ شكلًا مستطيلًا أو مربعًا، وتصطف الدكاكين بداخلها، وكان لها أبواب خارجية يقوم على حراستها حارسان أو حارس واحد.

ويعلو هذه المحلات طابق لسكن التجار، وكان يُلحق بكل قيسارية دورة مياه وحمام، وأحيانًا يكون أعلى القيسارية مسجد، وتجمع الكلمة على (قيساريات).

مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة السياحة والآثار طارق العف يتحدث لصحيفة "فلسطين" أن القيسارية أحد أشكال المنشآت التجارية الحرفية الصناعية، التي عُرفت في العهد الروماني، وذلك خلال عهد القيصر الروماني أغسطس قيصر، وقد توسعت في عهده تجارة الحرير الطبيعي الآتية من الصين، وكانت تلك المنشآت تخدم التجارة وتنمية الاقتصاد".

ويقع سوق القيسارية في حي الدرج بالبلدة القديمة بمدينة غزة؛ وهو من أهم الأسواق الأثرية التي لا تزال باقية في المدينة، ويطلق عليه العامة اسم (سوق الذهب)؛ نظرًا لكون جميع ما به من محلات تتاجر بالذهب.

والسوق عبارة عن شارع ضيق مسقوف بقبو مدبب وطوله قرابة (60) مترًا، وعرضه لا يتجاوز (3) أمتار، وعلى جانبيه تصطف حوانيت تجارية صغيرة، ويبلغ عرضه على الشارع نحو (2) متر، ويعلو المدخل الشرقي عقد مدبب كبير، يعد من أهم العناصر المعمارية المميزة له والتي ما زالت باقية على حالها.

ويوضح العف أن السوق أُنشئ عندما تم فتح المدخل الجنوبي لمصلى الجامع العمري، في عهد السلطان المملوكي الناصر (محمد بن قلاوون) بواسطة الأمير (تنكز الناصري)، وذلك في شهر محرم عام 730ه/1329م.

ولا يزال ذلك المعلم يحمل في زواياه وشوارعه الضيقة ملامح تراثية وتاريخية، يروي الأصول الحقيقية لفن العمارة، مُجسِّدًا روح الماضي وأصالة الحضارات القديمة، ومع ذلك فإنه لا يزال صامدًا رغم كل العوامل الطبيعية. 

ويشير العف إلى أن مبنى السوق يعاني من الإهمال في الحفاظ عليه بوصفه أحد المباني الأثرية الوحيدة من نوعها في غزة، ومن التغييرات التي أحدثها مُلاك ومستأجري المحلات التجارية والتي أدت إلى تشويه وإخفاء معالمه الأثرية، نتيجة استخدام مواد بناء غير مناسبة لترميمه، وعمل ديكورات حديثة به، ويبدو ذلك واضحًا عند دخول السوق.

وشهد السوق في عام 2021م المرحلة الأولى من مشروع الترميم بالتعاون مع الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية وبلدية غزة، والتي شملت صيانة الشارع المار بالسوق، وتركيب شبكة أنابيب أرضية؛ لتصريف مياه الأمطار.

وحتى أوائل ستينيات القرن الماضي لم تتجاوز عدد حوانيت بيع الذهب في هذا السوق أصابع اليد الواحدة، حيث كان السوق مخصصًا لبيع وصناعة الأحذية قبل أن يتحول إلى سوق لبيع الذهب بشكل كامل ويختفي باعة الأحذية منه، كما يخبر ياسر حبوب الذي يعد من أقدم تجار الذهب.

ويلفت إلى أن حركة هذا السوق تعد معيارًا للوضع الاقتصادي في غزة، قائلا: "في حال كان هناك إقبال على شراء الذهب تعرف أن الوضع الاقتصادي للناس جيد فهم يشترون الذهب لتخزينه أو التزين به، أما إذا كان هناك بيع فاعلم أن وضع الناس الاقتصادي سيئ وهم يبيعون مصاغهم من أجل تأمين لقمة العيش بأموالها".