فيما تزعم دولة الاحتلال أنها تتجهز لمواجهة سلسلة من المخاطر الأمنية المحيطة بها، فإن هناك أصواتا إسرائيلية في المقابل تقلل من جاهزية الجيش لخوض مثل هذه المعارك، لا سيما في ضوء أن سلاح البرية بالذات غير مستعد جيدا، كما أن وحدات الاحتياط فقدت قدرتها الهجومية، فضلا عن تدني المعايير السائدة في صفوف الجيش، مما يجعل أي قرار بالمواجهة العسكرية مع أي من القوى المعادية سيكون مكلفا جدا للدولة.
منذ 2006، وضع قادة الجيش الأربعة نصب أعينهم تطبيق مفهوم "الجيش الصغير التقني عالي الجودة الذي يتمتع بقدرات هجومية"، بزعم أن الحروب الكبرى قد انتهت، في ضوء السلام مع مصر والأردن، وسوريا ليست ذات صلة، ووجود مجموعات مسلحة مثل حماس وحزب الله لا تشكل تهديدا وجوديا على دولة الاحتلال، لكن ما حصل في الأعوام الماضية لم يكن حاضرا لدى هؤلاء الجنرالات، وهو أن هذه القوى المسلحة تحولت إلى جيوش نظامية مزودة بـ150 ألف صاروخ، و16 ألف مقاتل مشاة مجهزين بأفضل الأسلحة، بينها صواريخ مضادة للدبابات.
مع العلم أن التطورات المتلاحقة في السنوات الأخيرة تفوق إمكانيات وقدرات جيش الاحتلال، لأن قطاع غزة يشهد تناميا لقوة المقاومة، والجبهة السورية عادت للعمل مجددا، والمجموعات الإيرانية في سوريا والعراق واليمن قادرة على إطلاق الصواريخ على دولة الاحتلال، وفي الضفة الغربية اشتدت العمليات المسلحة، ويوجد فيها عشرات آلاف المسلحين، ويتوقع أن ينخرط فلسطينيو48 في المواجهة القادمة.
تزامن هذه التطورات الخطيرة مع تقليص حجم الجيش، أسفر عن فقدان وحداته لقدرتها على القتال بسبب نقص التدريب، والفشل في استخدام أسلحة جديدة، حتى أنها في وضعها الحالي غير قادرة على شن هجوم داخل لبنان، مما قد يؤدي لاندلاع قتال إقليمي في خمس ساحات في نفس الوقت، ويتطلب من الجيش وضع وحدات برية في تلك الساحات، لكن حجمه لا يسمح بذلك.
معظم الوحدات النظامية فقدت قدرتها على استبدال القادة والجنود، وتعاني من نقص الانضباط، وانعدام السيطرة والمراقبة، وعدم تأكيد الأوامر، ونقص من استخلاص الدروس وتطبيقها، وتحقيقات غير موثوقة، وكل ذلك لن يسمح لها بشن هجوم بري في لبنان وغزة، لأن هذه الوحدات العسكرية باتت مهامها مماثلة لقدرة الرجل مقطوع الرأس على أداء وظيفته.
الخلاصة أن الخوف يسود كبار ضباط جيش الاحتلال، لأن أسلحة المشاة والمدرعات غير مستعدة للحرب القادمة، مما يجعل من احتمال اندلاع معركة، أو نشوب تصعيد واسع النطاق مسألة مرجحة أكثر من ذي قبل، ويستدعي قلق كل الإسرائيليين، رغم أن الجدل الدائر حول عدم جاهزية القوات البرية للحرب ليس جديدا.