على جدار منزله الذي تحصن فيه، علق محمد العزيزي (22 عامًا) صور شهداء جنين ونابلس لتوقد فيه نار الثورة كلما غفت عيناه. عمَّ الصمت في "جبل النار" لتوقظها رصاصات بندقيته وبوصلتها موجهة نحو القدس وعلى صدر جنود الاحتلال، يرفض أن تطلق نحو الغيوم، ترقب عيناه شهادة طلبها كثيرًا حتى نالها مقبلًا غير مدبر.
من حارة "الياسمينة" في البلدة القديمة بمدينة نابلس تربى العزيزي بين مطاردين ومناضلين وأسرى ومحررين، فاكتملت الصورة أمامه وعرف أي الطرق أقرب للوصول لجيش الاحتلال، فذاع سيط اسمه وبات يتلقى تهديدًا تلوى الآخر بإنهاء حياته. قبل ثلاثة أسابيع أفاق الاحتلال على صدمة بإصابة قائد لواء الضفة العقيد في جيشه "روعي تسافيغ" بجروح وعدد من المستوطنين من جراء إطلاق نار من مقاومين عند "قبر يوسف" في نابلس.
لم يعرف أحد أسماء هؤلاء المقاومين سوى مخابرات الاحتلال التي وصلت إليهم فجر أمس في حارة الياسمينة التي استيقظ أهلها على أصوات اشتباكات كثيفة استمرت نحو خمس ساعات، وقفت فيها قوات الاحتلال الخاصة عن التقدم خطوة نحو البيت الذي تحصن فيه المقاومون بمساندة مقاومين آخرين من خارجه.
لم تنجح قذائف الاحتلال رغم كثافتها في فتح ثغرة للتقدم، فاستخدم المقتحمون أقوى ما لديهم بإطلاق صواريخ "لاو، وماتادور" حتى ارتقى العزيزي بعد إصابته بالصدر، وصديقه عبد الرحمن صبح (28 عامًا) بعد إصابته في الرأس، إضافة إلى إصابة 6 مواطنين منهم اثنان في حالة الخطر.
معركة شرسة يتحدث شقيقه عدي العزيزي لصحيفة "فلسطين" بصوت يكسوه الحزن: "حاصرتنا أكثر من وحدة عسكرية، وبدأت في إطلاق النار ثم القذائف ونحن في داخل المنزل، عشنا لحظات صعبة في أثناء تصدي أخي ومجموعة من المقاومين للقوات الخاصة".
علي عزيزي ابن عم الشهيد، كان أكثر قدرة على رواية الحدث لـ"فلسطين"، يقول: "معروف أن محمدًا من الشباب المطاردين للاحتلال، فقد كان يأتي إلى أحد البيوت المهجورة في البلدة القديمة لرؤية أمه وشقيقاته".
قبل الحدث بدقائق معدودة شعرت العائلة بوجود قوات خاصة في المكان دخلت إلى ساحة المنزل معتقدة أن الطريق سهل لاقتحامه، وكان تعدادها نحو 50 عنصرًا من القوات الخاصة، لكن "محمدًا ورفيقه ومعهما مقاوم معروف ومطارد للاحتلال من كتائب القسام خاضوا الاشتباك رافضين الاستسلام"، والكلام لعلي.
في دقائق تحول المنزل لساحة حرب، في السماء كانت طائرات الاحتلال من دون طيار تحلق فوق مسرح المعركة وعلى الأرض تنهال القذائف على المنزل ترافقها رصاصات كثيفة، يروي علي الذي عاش وعائلته ليلة دامية لم يفِق من صدمتها بعد: "أطلقوا عشرات قذائف الأنيرجا، وصواريخ لاو وغيرها بعدما فشلوا في قتل الشباب بالاشتباك المسلح، حتى انهارت أجزاء من المنزل المبني من حجارة قديمة أثرية".
النصر يأتي بالوحدة يصف علي، الشهيد بقوله: "كان محمد من الأشخاص المحبوبين، ملتزمًا في صلاته، حافظاً للقرآن، أسدًا في الاشتباكات، فلا يوجد نقطة مواجهة إلا يكون فيها، إن سمعنا بدخول جيش الاحتلال كان أول المتصدين له".
"علموا أولادكم أن النصر والتحرير لا يأتي إلا بالوحدة، وعلموهم أن القدس هي البوصلة الوحيدة والشرعية، وأن أبواق الفتنة وأعوان الاحتلال لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن العنصرية لا تخدم إلا مخططات الصهاينة، وأن السكون عن كلمة الحق عار وذل، معا لوحدة وطنية واحدة".
لم تكن هذه الوحدة التي عبر عنها الشهيد عبد الرحمن صبح مجرد شعار رفعه، بل أيضًا كانت المقاومة الموحدة منهجا في حياته حتى آخر أنفاسه. تحضر معالم هذه الوحدة في حديث محمد العزيزي ابن عم الشهيد: "كان يرفض لفه بعلم أي فصيل، بل يصر دائمًا على أن يكفن براية التوحيد، عدا عن أنه كان بينهما مطارد من كتائب القسام، وشباب من جميع الفصائل، وهو ما رسخ صورة الوحدة بينهم".