في 27 يوليو سجل يوم من أيام انتصارات الأقصى المبارك، فقد انتصرت فلسطين بهذه الرسالة القوية والواضحة التي وجهتها أولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع وحلفائه والمتفرجين على ممارساته وانتهاكاته الجسيمة، والنظام العربي والإسلامي أصحاب الموقف المتفرج، الذين اكتفوا ببعض البيانات الهزيلة، أو أولئك الذين التزموا الصمت حيال ما يجري وكأن الأقصى لا يعنيهم من قريب أو بعيد، رسالة مفادها أن هذا الشعب العظيم، وهؤلاء المقدسيين الصامدين المرابطين في مدينتهم المقدسة بوحدتهم قادرون على الدفاع عن الأقصى، وقادرون على خط صفحة مشرقة أخرى في تاريخ هذه الأمة، مع التخاذل والصمت وظلم النظام العالمي.
هذه الوحدة التي جسدها المقدسيون بعيدًا عن الانتماء الديني أو السياسي يجب أن تشكل رسالة مفادها أن بوصلة هذا الشعب موحدًا يجب أن توجه نحو التحديات الوطنية الحقيقية، وليس نحو المصالح الفئوية والحزبية الضيقة؛ فهذه الإرادة، وهذه الوحدة، وهذا الصمود المقدسي الأسطوري ترفض أي تجاوز للخطوط الحمراء، هي رسالة شعبنا إلى العالم بأسره أن الأقصى لنا والسيادة لنا والقدس لنا، ومهما كان حجم التردي والتخاذل حتى التآمر؛ فإن شعبنا قادر على الدفاع عن نفسه وحقوقه ومقدساته في مواجهة مخططات الاحتلال لتهويد القدس والأقصى.
فقد انتصرت الأخوة والوحدة التي لا تنفصم عراها، الإسلامية المسيحية في معركة الأقصى، حيث خط شعبنا هنا مرة أخرى صفحة مشرقة في تاريخه، مؤكدًا للعالم أجمع أن الكل الوطني الفلسطيني مسلميه ومسيحييه يقف صفًّا واحدًا دفاعًا عن حقوقه ومقدساته وتاريخه وحضارته، وهي صفعة قوية للاحتلال الإسرائيلي الذي سعى ويسعى دومًا إلى ضرب هذه الوحدة الراسخة، وضرب هذا الانتماء الوطني الراسخ لدى كل أبناء شعبنا المسلمين والمسيحيين.
إن يوم ٢٧ تموز (يوليو) يوم مميز ومحطة مفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني وسفر نضاله، يوم يقول إن الفلسطيني المقدسي المتسلح بإرادته ووحدته وثباته وصموده حوّل سجادته وصلاته إلى سلاح مقاومة شعبية، أقوى من أساطيل وطائرات وجيوش أمة بأكملها، لم تصمد جيوشها في وجه الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م أكثر من ستة أيام، فقد حقق نصرًا كبيرًا في معركة كسر الحصار عن الأقصى يبنى عليه في معركة طويلة ومستمرة مع المحتل، تراكم لنصر وإنجاز أعظم، من شأنه أن يدفع نحو انكفاء المحتل عن أرضنا الفلسطينية المحتلة، إذا ما أحسنا إدارة الصراع والمعركة معه، بقرار موحد وقيادة موحدة وهدف موحد وإستراتيجية موحدة.
هذا الانتصار يمثل نقطة فارقة ومنعطفًا في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وما بعد هذا الإنجاز العظيم مرحلة جديدة أكثر إشراقًا، لعل وعسى تستنبط منها كل فصائلنا _وخاصة من يصرون على استمرار الانقسام_ الدروس والعبر، ولعل وعسى يدرك الكيان العبري وكل حلفائه أن الرقم الفلسطيني هو الرقم الأصعب في معادلة الشرق الأوسط، وأن هذا الرقم سيظل عصيًّا على القفز عنه، وأن شعب فلسطين الذي قدم _وما زال_ التضحيات الجسام شهداء وجرحى وأسرى سيظل متمسكًا بأهدافه الوطنية: التحرر من هذا الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وحل مختلف جوانب القضية وفق قرارات الشرعية الدولية، خاصة قضية اللاجئين الفلسطينيين وتحرير الأقصى والقدس.