في الوقت الذي شرع فيه وزير حرب الاحتلال بيني غانتس بعملية اختيار قائد جديد للجيش خلفا لـ"كوخافي"، وسط أزمة بين الحكومة والمعارضة حول ذلك، بزعم اتهام غانتس باستغلال الفترة الانتقالية للتقرير في منصب هو الأكثر حساسية في دولة الاحتلال.
بغض النظر عمن سيفوز في هذه العملية التي تتمحور بين الجنرالين هآرتسي هاليفي وآيال زامير، لكنها أعادت لأذهان الإسرائيليين حالة الاستقطاب السائدة منذ زمن بين المؤسستين السياسية الممثلة بالحكومة والمجلس الوزاري المصغر، والعسكرية ممثلة بالجيش وأجهزة الأمن وأذرعها.
مع أن واحدا من التبعات السلبية لغياب التنسيق بين الساسة والعسكر لدى الاحتلال تمثل في أخطاء شهدتها الحروب الأخيرة على لبنان وغزة، نظرا للعديد من الأسباب، بينها سوء علاقتهما القائمة، مما دعا لجنة "فينوغراد" للتحقيق في فشل حرب لبنان الثانية 2006 إلى ضرورة الحاجة لتوضيح حجم الصلاحيات والمسؤوليات للمستويين، السياسي والعسكري، لأن الأمر بات ملحًا، في ضوء الكثير من القضايا الإشكالية التي تبدت بصورة واضحة بين رئيس الحكومة ووزير الحرب وقائد الجيش.
في ضوء هذا التجاذب، اقترحت أوساط إسرائيلية عديدة في غير مرة توزيع المسئوليات والصلاحيات بين المستويين السياسي والعسكري، لكن التطبيق على أرض الواقع كان يصطدم تارة بتجاوز الساسة لصلاحياتهم بالزحف التدريجي على مسئوليات العسكر، وتارة أخرى بسطوة الجنرالات على القرار، وعدم السماح للآخرين بدخول ملعبهم، لاسيما في الأوقات التي كان فيها المستوى السياسي الإسرائيلي يفتقر للسيرة الذاتية القتالية أو ليس لديه كاريزما شخصية.
هذه الإشكالية القائمة اليوم، وكشفت عنها مسارعة غانتس لاختيار قائد جديد للجيش قبيل تشكيل حكومة مستقرة بعد الانتخابات القادمة، تعود إلى قرابة أربعة عقود عقب حرب أكتوبر 1973، حين رصدت لجنة "أغرانت"، ما اعتبرته افتقار الأجسام الحكومية: السياسية والعسكرية، لتوزيع الصلاحيات بينها، مما ساهم بدوره في تلك الخسارة الحربية.
مع مرور السنوات، تطور الوضع كثيرا في دولة الاحتلال، وتغير بصورة دراماتيكية، فقد أصبح لرئيس الحكومة موقع مؤثر في ذلك الثلاثي، بجانب وزير الحرب وقائد الجيش، وغدا الحصول على موافقته من أهم الشروط لتنفيذ عمليات عسكرية خارج الحدود، وفي حالات أخرى حيث يقوم الجيش بعمليات عسكرية ميدانية "داخل" الحدود، قد يستدعي الأمر موافقته من خلال المجلس الأمني المصغر.
كل ذلك دفع أوساطا عسكرية إسرائيلية لمطالبة الجيش بإجراء نقاش داخلي، سواء ما تعلق منها بمستوى الأبعاد الاستراتيجية للخروج إلى عمليات بهذا الحجم، أو على صعيد طبيعة الاستعداد الميداني العسكري لخروجه لمثل هذه العمليات، وبالتالي فإن عدم قيامه بمثل هذه النقاشات الحساسة كان له أكبر الأثر في انكشافه أمام فشل ذريع، ميدانيا كان أمام قوى المقاومة المحيطة بالاحتلال، وداخليا أمام العلاقة الشائكة مع المستوى السياسي الأعلى.