"انهيار حل الدولتين سيضعنا أمام خيارات صعبة ومعقدة". هذا أهم ما جاء في تصريح رئيس السلطة محمود عباس من رومانيا. ومن المعلوم أن الدولة الرومانية لا تكاد تلمس لها تأثيرا يذكر في قضية المفاوضات وحلّ الدولتين. ولم نلمس يوما أنه ثمة مبادرة لهذه الدولة، أو أن لها يدًا ضاغطة على حكومة الاحتلال، أو على أميركا.
رومانيا دولة ذات قدرات متواضعة في السياسة الدولية، وفي منطقتنا العربية، ولا يمكن أن تمثل رافعة سياسية لحشد تأييد دولي لحلّ الدولتين، ولا سيما بعد أن نعاه بايدن في زيارته الأخيرة لعباس وقادة المملكة وقادة لقاء جدة!
ما أود قوله بمناسبة تصريح رئيس السلطة محمود عباس هو أن خيار حلّ الدولتين انهار حقيقة لا في الرؤية السياسية الإسرائيلية فحسب، بل وفي الميدان والواقع في الضفة والقدس، بسياسة الضم والاستيطان، بل أكاد أجزم أنه لا سياسي في دولة الاحتلال منذ شارون وحتى من جاؤوا بعده يؤمن بحلّ الدولتين، أو يدير مفاوضات جادة مع عباس على قاعدة هذا الحلّ!
رئيس السلطة عباس أكثر من يعلم بحالة هذا الانهيار وتاريخه، ويعلم لماذا، ويليه في المعرفة قادة اللجنة التنفيذية، وقادة المجلس المركزي، وقادة فتح. ويمكن القول إن مطالبة المركزي عباس بتعليق الاعتراف (بإسرائيل) هو دليل على معرفتهم بالانهيار.
المشكلة ليست في قضية الانهيار، بل في البقاء الواهم في خيار حلّ الدولتين. وليست الصعوبة والتعقيدات في الخيارات البديلة، بل التعقيدات المشكلة والمعيقة هي البقاء في إطار الوهم، الذي بذر بذرته جورج بوش الابن، بحكم مقتضيات الحرب في الخليج، وسقى هذا الوهم بكلمات من الخيال من جاؤوا بعده في البيت الأبيض، دون أن يلمس الفلسطيني بيده شيئا من هذا الوهم، ثم جاء بايدن الذي نعى لعباس وقادة المنطقة هذا الخيار، ومن ثمة اضطر عباس لتصريحه من رومانيا.
البقاء في وهم خيار حلّ الدولتين حيث لا شركاء لعباس فيه هو الأمر الصعب والمعقد، ومغادرة هذا الوهم ومواجهة الواقع وسلوك طريق التغيير هو الحلّ الذي يجدر العمل به، وكلما تأخر الفلسطيني فقد فرصًا مهمة في المواجهة وتحقيق أهدافه. ليس في الأحزاب الإسرائيلية من يعمل لحلّ الدولتين، وبقاء عباس في هذا المربع من الإعادة والتكرار يصادر حق الفلسطينيين في البدائل والتغيير.