فلسطين أون لاين

تقرير "المقيقة" مشروب الخروب الأخضر لقرويي فلسطين قديمًا

...
حاجة فلسطينية وفي يديها مشروب المقيقة
قلقيلية-غزة/ مريم الشوبكي:

في أيام يوليو/ تموز الحارة يقصد محمد شبيطة أرضه الواقعة في بلدة عزون شرق قلقيلية، لقطف ثمار الخروب الخضراء التي لم تنضج بعد، من أجل صناعة شراب "المقيقة".

يقول شبيطة (62 عامًا) إن شراب المكيكة، كما يلفظها بلهجته القروية، يروي الظمأ بعد يوم حصاد شاق، إذ تقوم زوجته بمهمة صناعة المشروب الذي يشرب باردًا.

شجرتا الخروب في أرض شبيطة من الأشجار المعمرة، إذ يقول إنهما تعودان إلى عهد الخلافة العثمانية، ويقوم كل عام بقطف جزء من الثمار لصناعة شراب رب الخروب الأخضر، كما بيع قرون الخروب الأسود بعد نضجه صحيحًا أو مجروشًا.

ويقول شبيطة لـ"فلسطين": "قطف الخروب الأسود يبدأ مع بداية أغسطس، إذ تنتج لي الشجرتان نحو 30 كيلو، وأبتاع بعض الخروب من المزارعين في البلدة، لكي أصنع كميات كبيرة من رب الخروب والذي تعودت صناعته منذ سنوات طويلة، فقد ورثت هذه الصناعة التقليدية عن جدي ووالدي".

يضيف: "على حين في شهري يونيو ويوليو يقوم كبار السن بقطف ثمار الخروب الخضراء، إذ تصنع سيدات البلدة كبيرات السن منهن شراب المقيقة والتي تعودن صناعته منذ كن صغيرات كما كانت تفعلن أمهاتهن وجداتهن".

ويحرص شبيطة على صناعة شراب المقيقة مرة أو مرتين في الموسم، إذ يخلطه بحليب البقر المتوفر لديه، ويشبه قوامه بالبوظة، لأن قوامه يكون كثيفًا، ويتم تناوله بادرًا.

ومع بداية أغسطس يتحول لون قرون الخروب إلى الأسود وهو ما يعني تمام نضجها، فيقطفها المزارع شبيطة ويجففها تحت أشعة الشمس مدة أسبوعين، قبل أن يعمل على جرشها بطاحونة يدوية ورثها عن والده، ومن ثم يخزنه مجروشًا، وفي جزء منه يصنع رُب الخروب ويبيعه في الأسواق.

ويبين أنه يفضل تخزين الخروب مجروشًا لأنها الطريقة الأمثل لعدم تلفه وصلاحيته تمتد لأكثر من عام، على حين تخزينه صحيحًا دون جرش يتلف بسرعة ويصيبه السوس.

ويوضح شبيطة أنه يقوم بتنقية حبات الخروب التالفة ويتخلص منها، "فحبة فاسدة كفيلة بإفساد بقية المحصول".

ولا يزال يحافظ على صناعة رب الخروب بالطريقة التقليدية على نار الحطب لساعات طويلة تمتد لنحو 15 ساعة، حتى يصبح يتخثر ويصبح ذا قوام ثقيل، يخزنه في عبوات زجاجية ويحتفظ به لعدة أعوام.

وينبه شبيطة إلى أن الصناعات التقليدية القائمة على الخروب تقلصت، والقلائل من أهالي البلدة ما يزالون يقومون بصناعتها، حيث يستخدم رب الخروب في صنع الخبيصة "المهلبية" وكحشو في الكعك، ومع الطحينة.

بداية المقيقة

وتروي سماهر عدوان من بلدة عزون الرواية التي سمعتها من جدتها عن أصل صناعة المقيقة، وهي أن الرعاة والحُصاد قديمًا كانوا حين يشعرون بالعطش في أيام الصيف الحارقة يقطفون بعض حبات الخروب الأخضر، ويقومون بتكسيرها بالشاكوش، ومن ثم دقها في الهون.

وتتابع عدوان (43 عامًا) لـ"فلسطين": "وفي ذلك الوقت يكون الرعاة قد حلبوا الماشية، فيقومون بعصر الخروب لاستخلاص السائل الحلو منه ويمزجونه بالحليب تدريجيًا حتى يتخثر القوام ليشبه قوام اللبن الرائب".

وتشير إلى أنها تصنع شراب المقيقة بذات الطريقة التي عملتها إياها جدتها، "دون سكر ويكون طعمها لاذعًا، أو بإضافة القليل منه، أو استبدال العسل به، وهذا المشروب كفيل بأن يروي العطش".

وتلفت عدوان أنها تصنع "المكيكة" مرتين في العام، لافتة إلى أن هذا الشراب يُشرب في اليوم ذاته، ولا يمكن تخزينه لأن طعمه يتغير.

وتبين أن خواص عصير الخروب الأخضر تغير من خواص الحليب وتمنحه ثقلًا، ويتم تناول المقيقة بعد تبريدها في الثلاجة بالمعلقة لثقل قوامها ويشبه "البوظة" كما يحكي زوجها.

تقدر بلدية عزون أعداد أشجار الخروب في محافظة قلقيلية بنحو 2500 شجرة، بإنتاجية 100 طن سنويًّا، وتتركز في بلدتي عزون وكفر ثلث، ويتم قطف ثمارها وبيعها إما مباشرة أو صناعة عصير الخروب الطبيعي منها، وتسويقه إلى باقي القرى في المحافظة.

ويعود تاريخ شجرة الخروب في فلسطين إلى أكثر من 4000 عام قبل الميلاد، أي منذ عهد الكنعانيين، وتعد شجرة دائمة الخضرة يصل ارتفاعها لنحو 10 أمتار، ولها أوراق مركبة وأزهار خضراء وثمارها على شكل قرون لونها يميل إلى البنّي.