في أحد الأيام كانت مريم أبو رموز تسير برفقة والدها في شوارع القدس القديمة، لمحتها صديقتها وهي تتحدث مع أبيها بلغة الإشارة، اقتربت منها وهمست في أذنها "مريم انتي ما بتستحي من والدك ووالدتك لأنهم صم".
نظرة المجتمع
صُدمت مريم من نظرة صديقتها والمجتمع من حولها حينها عقدت العزم على تعلم لغة الإشارة وتعليمها حتى تُري الناس وتعرفهم باللغة التي يتواصل بها الصم، واستطاعت تحقيق ما لم يحققه الكبار، وها هي اليوم أصبحت أصغر مترجمة لغة إشارة للصم في فلسطين.
لم تكن مريم قد تجاوزت 13 عامًا حينما قررت تعلم لغة الإشارة، لكي تتمكن من التواصل بسلاسة مع والديها الأصمّيْن، ولأنها الابنة الكبرى، أخذت على عاتقها إدماجهما في المجتمع، وتعريفهما بكل ما يدور حولهما في الحياة.
وبعدما وصلت لسن 17 عامًا حصلت على شهادة أصغر مترجمة لغة إشارة في فلسطين، وعند بلوغها 18 عامًا استطاعت الانضمام لنقابة المترجمين وحصلت على أصغر مترجمة إشارة باللغة العربية والإنجليزية في فلسطين.
إدماج المعاقين
تروي أبو رموز (21 عامًا) تجربتها في تعلم لغة الإشارة: "تعلمي للغة الإشارة كان في البداية لمساعدة والديَّ، ومن ثم مواجهة النظرة الدونية تجاه الصم والاستهزاء بهم، وإهمالهم في أي مكان عام يتواجدون فيه لعدم وجود مختص بلغة الإشارة فيها".
وتضيف: "أردت تعليم جميع الناس لغة الإشارة من أجل إدماج المعاقين في المجتمع والصم خاصة، لذا أطلقت مبادرة "أنامل متحدثة،" بدأتها بنشر فيديوهات ترجمة للأناشيد، والأغاني، والقصص للغة الصم، ولاقت رواجًا كبيرًا، ما دفعنا إلى تطبيقها على أرض الواقع".
وبعدها أصبح لأنامل متحدثة مقر في مدينة القدس، يستقبل المهتمات بتعلم لغة الإشارة، إذ كان الإقبال متنوعًا ما بين عمر 18 عامًا حتى 60 عامًا، ويتم منحهم شهادات معتمدة.
واستطاعت أبو رموز على مدار ثلاث سنوات، تخريج 82 فوجًا من خلال مبادرتها، وكل فوج لا يقل عدد طلابه عن 15 طالبًا.
وأحدثت مريم نقلة نوعية في تخصص لغة الإشارة ما بين التدريب والتعليم، حتى وصلت إلى إعطاء محاضرات في الجامعات، والمدارس، وأماكن أخرى، وتعليمهم ترجمة لغة الإشارة.
وتواجه مريم كما جميع الصم وأبنائهم مشكلة عدم وجود مختصين بلغة الإشارة في المستشفيات الحكومية والخاصة، لذا قررت دراسة التمريض أيضًا لتخدم المرضى الصم وتُترجم ما يعانونه للطاقم الطبي، لكي يتمكنوا من تقديم العلاج المناسب لهم.
تشير أبو رموز أنها انتقلت لدراسة التمريض في تركيا، ولكنها تواصل عملها في مبادرة أنامل متحدثة عن بعد عبر الإنترنت، إذ تقدم دروسًا، ودورات للغة الإشارة لأشخاص في فلسطين وخارجها أيضًا، ولم تقطعها الدراسة عن إكمال مبادرتها.
والنجاح في بدايته لا يخلو من العقبات والصعوبات، فالانتقادات السلبية الهدامة لم تتوقف مع بداية إطلاق مريم مبادرتها، فكثير هي العبارات التي سمعتها كـ"ما راح تنجحي، ما حد بيهتم في الإشارة"، صمت آذانها عن انتقاداتهم وأكملت هي في طريق تحقيق حلمها الذي أصبح واقعًا يحقق نجاحات ينبهر منها كل من انتقدها وكان يرى أنها لن تنجح.
في سنوات قليلة استطاعت مريم تحقيق العديد من الإنجازات التي أحدثت تغييرًا في حياتها وفي المجتمع، تذكر أنها شاركت فيما يقارب 10 مؤتمرات خارجية للحديث عن مبادرتها، ولُقبت بسفيرة الإنسانية في مؤتمر "اصنع أملًا" الذي أقيم في العاصمة الإمارتية دبي قبل عام، وتحمل شهادة محترف عالمي من عدة جمعيات، إضافة إلى لقب أصغر مترجمة في فلسطين.
وحلم مريم ما يزال قائمًا وتسعى أن تتحول مبادرتها إلى جمعية تحلم اسم "أنامل متحدثة"، تقدم خدماتها لكل ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير مترجمي إشارة لكل شخص يريد إنهاء معاملة في مؤسسات حكومية، ومستشفيات، وأماكن عامة أيضًا.
وتأمل أن تصبح لغة الإشارة لغة رسمية تُدرس في المدارس والجامعات، مثل اللغات الأخرى الإنجليزية، والفرنسية، والعبرية، وغيرها.