فلسطين أون لاين

يضعهم تحت وطأة مشكلات نفسية متعددة

حصار غزة.. يربك الصحة النفسية لأطفالها

...
أرشيف
غزة - هدى الدلو

حصار وحروب مستمرة.. ظروف جعلت من حياة الأطفال الفلسطينيين غاية في الصعوبة، حيث بدت آثارها النفسية تنعكس على حياتهم بوضوح، في ظل غياب مقومات الحياة الأساسية والقدرة المادية على التفريغ والترفيه النفسي.

فقد أكد تقرير أصدرته منظمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية بمناسبة مرور 15 عامًا على بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، تبين أنّ 80% من أطفال القطاع الفلسطيني يعانون صعوبات نفسية.

ضغوطات متعددة

وقالت المنظمة التي تتخذ من بريطانيا مقرًا لها في تقرير بعنوان "محاصرون وتأثير 15 عامًا من الحصار على الصحة النفسية لأطفال غزة": "الصحة النفسية لأطفال القطاع آخذة في التدهور".

وكشف التقرير الذي اعتمد على مقابلة عدد كبير من الأطفال، بأن أكثر من نصفهم فكروا في الانتحار وثلاثة من كل خمسة يؤذون أنفسهم.

ومنذ عام 2018، ارتفع عدد أطفال غزة الذين يشتكون من أعراض "الاكتئاب والحزن والخوف" من 55% إلى 80%، بحسب التقرير.

تتحدث والدة الطفل أيهم الذي يبلغ عمره 12 عامًا، أن ما يعيشه أهالي قطاع غزة وخاصة الأطفال ليس بالأمر الهين من جراء الحصار المستمر منذ أكثر من 15 عامًا، إلى جانب الحروب الإسرائيلية التي تترك أثرًا كبيرًا في نفوسهم.

تقول: "تأثر ابني كثيرًا خلال الحروب، فأصيب بحالة خوف شديد امتدت معه حتى بعد انتهاء الحرب؛ ما أثر في شخصيته فأشعر أنها أصبحت ضعيفة، لدرجة أنه يصطحبني معه أو أحد من أشقائه عند ذهابه إلى الحمام، أو أي مكان في البيت خاصة في أثناء انقطاع الكهرباء".

أما الطفل سمير الذي يبلغ من العمر (13 عامًا) فيشعر أن الحياة في غزة باتت مخيفة بسبب ما يفعله الاحتلال بحقها، فالبيوت تُدمر فوق رؤوس أصحابها، ليصبحوا بلا مأوى، والأطفال يُقتلون دون سبب.

ويقول: "أتمنى أن أعيش بأمان وسلام مثل كل أطفال العالم، بعيدًا عن الخوف والقلق، والكوابيس المزعجة في الليل خاصة في فترة الحروب على غزة". 

تدهور الأوضاع النفسية

ومن جهته يبين الاختصاصي النفسي إياد الشوربجي أن 80% من أطفال قطاع غزة يعانون مشكلات نفسية وتدهورًا في أوضاعهم النفسية وفق تقرير المنظمة بسبب الظروف الخاصة التي يعيشها الأهالي في القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر؛ ما يلقي بظلاله على كل مناحي حياة الإنسان ويؤثر في كل فئات المجتمع وخاصة الأطفال.

ويشير إلى أن الخطورة تكمن في تدهور صحة الأطفال النفسية بسبب حالة التهديد المستمرة بسبب الحروب المتعاقبة التي يعيشها الطفل في قطاع غزة؛ ما يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية صعبة كالشعور بعدم الأمان والخوق والقلق المستمر.

ويلاحظ، من خلال عمله اختصاصيًّا، أعراضًا نفسية مزمنة على الأطفال كالتبول اللا إرادي والأرق وصعوبة النوم، "ويظهر بشكل واضح وكبير السلوك العدواني عند بعض الأطفال وسلوكيات التنمر، وهناك حالات تعاني الانطواء والخجل أو فرط الحركة والنشاط الزائد".

ويتابع:" في حين يعاني بعض الأطفال تراجعَ المستوى الدراسي وتشتت الانتباه، إلى جانب المشكلات الكلامية كالتأتأة والتلعثم و"الحبسة الكلامية" وغيرها من مشكلات النطق المرتبطة بالخوف والقلق والتوتر الذي ينعكس على كلام الطفل.

ويضيف الشوربجي: "بعد الحروب والأزمات تظهر لدى الطفل أعراض كعدم رغبته بالمشاركة مع الآخرين والرغبة بالانعزال، وبعضهم يشعر أن هناك خطرًا يهدد حياته وحياة الوالدين اللذين يشكلان مصدر أمان وحماية له، وغياب أحدهما يساهم في تدهور الحالة النفسية لديه".

ويبين أن شعور القلق والخوف لدى من فقد أحد والديه أو قُصف بيته مدمر نفسيًا، فالظروف الأمنية الصعبة في القطاع، ومشاهدة المشاهد المؤلمة والقاسية ومعايشتها تحطمه نفسياً وتسبب له صدمة.

الفقر يفاقم المشكلات

ويلفت الشوربجي إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب الحصار والإغلاق والبطالة تلقي بظلالها أيضاً على الأُسرة الفلسطينية وتزيد من أعبائها حيث المسؤوليات الكبيرة على الوالدين في تحصيل المال وعدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات؛ ما يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً ويتأثر به الأبناء".

كل هذه المؤثرات التي يتعرض لها الطفل تجعل شخصيته غير سوية ويكون لديه شعور دائم بالبؤس والإحباط وفقدان الأمل، وعدد منهم يفكرون في إيذاء أنفسهم، ويعد ذلك نتيجة طبيعية لاضطراب ما بعد الصدمة وازدياد حالات الاكتئاب واليأس والإحباط والنظرة السوداوية للحياة وفقدان الأمل بالمستقبل.

وعن تأثير تلك المشكلات في حياة الأطفال، تلفت الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة إلى أن تلك المشكلات النفسية تؤدي إلى فقدان الثقة بالذات، وضعف توكيدها، وتعميم التجارب السيئة، وفقدان الأمل وانخفاض الدافعية، والنظرة السوداوية للحياة والتفكير بالانتحار، والسلوك العدواني والانحراف الاجتماعي، ومنها ما هو دراسي كالتراجع أو حتى الفشل الدراسي، ومنها ما هو اجتماعي كضعف العلاقات الاجتماعية والعزلة والانطواء.

وتشير إلى أنه يمكن تجاوز هذه الأزمات من خلال تفهم الطفل أن جميع أفراد الأسرة يمرون بهذه الضغوط، وتوفير مساحة خاصة للأطفال للتعبير عما يجول بداخلهم، وتقديم التعاطف والتفهم، والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الأبناء وإشاعة جو من الإيجابية والتماسك.

وتضيف السعايدة: "وعلى الأسرة العمل على توفير احتياجاتهم قدر المستطاع، والتركيز على سبل التعاون والدعم المتبادل، التي من شأنها أن تعزز قوة الأسرة وتماسكها، واختيار التوقيت المناسب لتوجيه النصيحة مع توخي ألّا تكون بصيغة رسائل هجومية، وألا تكون على الملأ ومحرجة للطفل".

وقد يسهم – وفق السعايدة- تشجيع الأطفال على تحمل جزء من المسؤولية الأسرية، بألا تكون في سياق أو محتوى عقابي، إلى جانب الترفيه عن الأطفال وتنمية مواهبهم، وتقوية العلاقة الأسرية بالقيام بأنشطة مشتركة بهدف التسلية وتعليم القيم ونمذجتها، وتوعيتهم بشأن الظروف الطارئة وإكسابهم مهارات الصلابة النفسية في تحسين حالتهم النفسية.