طالبت النائبة الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، رشيدة طليب، الكونغرس في سلسلة تغريدات على تويتر أخيراً، بالاعتراف بـالنكبة الفلسطينية، وتعزيز حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني؛ وأشارت النائبة من أصول فلسطينية؛ أنها تقدمت بمشروع قرار للكونغرس الأمريكي بهذا الخصوص؛ وحظي المشروع بدعم عدد من النواب الأمريكيين بينهم النائبة ماري نيومان والنائب جمال بومان؛ الذي غرّد على تويتر قائلاً: "أنا فخور بأن أكون الداعم الرئيسي لقرار الاعتراف بالنكبة الفلسطينية في ذكراها الـ74".
وقد تمّ طرد (850) ألف فلسطيني من وطنهم عام 1948 بقوة المجازر الصهيونية؛ كانوا يشكلون آنذاك (61) في المائة من إجمالي عدد الشعب الفلسطيني البالغ مليون وأربعمائة ألف فلسطيني.
إمكانية التحول بالموقف!
طرح تقديم النائبة الأمريكية رشيدة طليب لمشروع قرار في الكونغرس الأمريكي أخيراً؛ أسئلة حول مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قضية اللاجئين الفلسطينيين وإمكانية تحولها في المدى المنظور.
ويلاحظ المتابع لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وموقفها من القضية الفلسطينية بشكل عام، ومن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص أنها اتسمت بسمات أساسية على مدار أربع وسبعين سنة خلت، ويمكن إجمالها بالتالي؛ قلة المتغيرات وقوة الثوابت، وقد ارتبط ذلك بمجموعة من الاعتبارات والمصالح الإقليمية والدولية للولايات المتحدة الأمريكية، وليس بوجهة النظر التي يحملها رؤساء الولايات المتحدة الذين توالوا على قيادة الإدارات الأمريكية، وقد اضطر بعضهم كالرئيس كارتر أن يتراجع عن تعهداته وقناعته بصدد القضية الفلسطينية التي تحدث عنها أثناء حملته الانتخابية.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن ثمة دوراً للرئيس الأمريكي في رسم وصوغ السياسة الأمريكية. وقد عملت الولايات المتحدة على احتواء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبالتالي جوهره المتمثل بالقضية الفلسطينية، وذلك لتحقيق الأهداف المختلفة، وفي مقدمها الحفاظ على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ويمثل موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قضية اللاجئين بشكل خاص انعكاساً لمدى العلاقة مع دولة الاحتلال الصهيوني؛ ويمكن القول إنه منذ إدارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان، بقيت القضية الفلسطينية ومن ضمنها قضية اللاجئين، أسيرة الصراع الدائر بين قوى الضغط المؤيدة لـدولة الاحتلال الاسرائيلي والإدارات الأمريكية المتعاقبة لجهة دعم المواقف الإسرائيلية على مستويات مختلفة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية؛ وتبعاً لذلك لن نشهد تحولاً بالموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ومن ضمنها؛ قضية اللاجئين الفلسطينيين في المدى المنظور، رغم التغير الطفيف في المزاج العام الامريكي من القضية الفلسطينية، وكذلك الحال في غالبية دول الغرب كما تجسد خلال هبة الاقصى الرمضانية في أيار/ مايو من العام المنصرم 2021.
مواقف بعض الإدارات
وبالعودة إلى مواقف بعض رؤساء الولايات المتحدة إزاء القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، يمكن معرفة الاتجاه العام لمواقف الإدارات الأمريكية إزاءها، فقد طالب الرئيس ترومان في 9-5-1949 بضرورة عودة ما بين 200 و300 ألف لاجئ فلسطيني إلى ديارهم، وذلك عبر رسالة وجهها إلى ديفيد بن غوريون، وهدد بأن تعيد الولايات المتحدة النظر في موقفها من "إسرائيل"، لكن في مقابل ذلك ركزت الولايات المتحدة على ضرورة توطين اللاجئين الفلسطينيين عبر نفوذها الكبير في لجنة التوفيق الدولية، وبدأنا نشهد مشاريع وخططاً أميركية لتوطين اللاجئين في الدول العربية المضيفة، ومن بين تلك الخطط، كان هناك مشروع يقضي بتوطين نصف مليون لاجئ في الدول العربية وبكلفة إجمالية تصل إلى 250 مليون دولار تساهم الولايات المتحدة بنصفها.
ومن المشاريع الأخرى الهادفة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مشروع غوردون كلاب، ومشروع جونستون (1953- 1955)، ومشروع دالاس لعام 1955 القاضي بإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر استئناف حياة جديدة عن طريق إعادة استقرارهم، من خلال عودتهم إلى وطنهم ضمن الحد الذي يكون ممكناً، أو بتوطينهم في البلدان العربية.
وفي 2-10-1961 قدم جوزيف جونستون رئيس معهد كارنيغي للسلام مقترحاته حول قضية اللاجئين بتكليف من الرئيس جون كيندي، وتقضي بأن يستشار اللاجئون من أرباب العائلات من قبل الأمم المتحدة بعيداً عن الضغط، ويكون الخيار أمامهم بين العودة إلى فلسطين أو الحصول على التعويض، لكنه ربط هذا الاقتراح بأن لـ(إسرائيل) الحق في رفض عودة أي لاجئ حفاظاً على مصالحها الأمنية.
وفيما بعد أكد الرئيس ليندون جونسون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19-6-1967 أنه يجب حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً، وتراجع الخطاب السياسي الأمريكي إزاء قضية اللاجئين الفلسطينيين في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، فقد أوضحت البيانات الصادرة عن لقاءات بين وزراء في حكومته مع وزراء إسرائيليين، بأن الولايات المتحدة لا تقبل خطط العرب فيما يتعلق بقضية اللاجئين، وقلصت إدارة الرئيس كارتر مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وطريقة حلها إلى حد كبير جداً، وجاء في الرسالة التي وجهها كارتر إلى (إسرائيل) بواسطة الحاخام الأكبر شلومو غورين، بأنه يجب إيجاد حل لقضية اللاجئين العرب واليهود وفق شروط يتم الاتفاق عليها، ومنذ مشروع الرئيس الأميركي رونالد ريغان في أيلول (سبتمبر) 1982 وحتى تبوء بوش الأب سدة الحكم في الولايات المتحدة انصب الخطاب الأمريكي إزاء القضية الفلسطينية على ضرورة المزاوجة بين اتفاقيتي كامب ديفيد ومشروع ريغان، وفيما عدا ذلك لا يرد في الأدبيات الأمريكية سوى البحث عن حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وخلال عهد بوش الأب استطاعت الإدارة الأمريكية عقد مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991 بحضور (إسرائيل) وأطراف عربية من بينها الطرف الفلسطيني كجزء من الوفد الأردني، سرعان ما تحول إلى وفد مستقل، وفي 13 أيلول/ سبتمبر 1993 وقعت اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، وأجل المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون قضايا جوهرية، كاللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والسيادة إلى مفاوضات الوضع النهائي. وخلال الفترة التي تلت تلك الاتفاقيات حاولت الولايات المتحدة إيهام العالم بأنها وسيط نزيه، على الرغم من دعمها لـ(إسرائيل) عند ارتكابها المزيد من المجازر، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أسقطت العديد من مشاريع القرارات الدولية التي تدين ممارسات دولة الاحتلال الصهيوني التعسفية إزاء الشعب الفلسطيني، وتابعت كل من إدارة أوباما وترامب وبايدن انحيازها المطلق لدولة الاحتلال وتوحشها؛ وادارة الظهر للحقوق الفلسطينية؛ وبدون العمل على تغيير المزاج الشعبي الأمريكي بغرض انحيازه إلى جانب الحقوق الفلسطينية؛ لا يمكن الحديث عن تحول أمريكي رسمي تجاه القضية الفلسطينية.