مع بدء الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1914، أرادت بريطانيا أن تنهي السيادة العثمانية على مصر، ودار نقاش داخل الأوساط السياسية البريطانية، واتفقوا فيما بينهم على أن فرض الحماية على مصر أخف وطأة، وأقل ضررًا من ضم مصر للإمبراطورية البريطانية، وذلك للأسباب التالية:
1ـ مواصلة إبقاء الحكم في أيدي المصريين في الظاهر، ليدير الأمور من ورائهم الإنجليز.
2ـ عدم إثارة رجال الدين والشعب في حالة رفع العلم البريطاني على مصر.
3ـ فرض حاكم بريطاني على مصر يتعارض مع المشاعر الوطنية للمصريين، وسيؤدي إلى انتشار الاضطرابات واختلال الأمن الداخلي.
4ـ الحماية أقل تكلفة، حيث يصير حكم مصر بعدد قليل من البريطانيين.
5ـ طالما كانت بريطانيا في حاجة ماسة إلى جهود المصريين وأموالهم وأرضهم، فإن الحماية تبدو وكأنها خطوة على طريق الحكم الذاتي، وهذا يشجع المصريين للتعاون مع الجيش البريطاني.
6ـ الحماية تحافظ على الشكل الظاهري لنظام الحكم في مصر، وتتفادى غضب المصريين من جراء التحوُّل من الخلافة الإسلامية إلى التاج الامبراطوري البريطاني.
7ـ نظام الحماية يحافظ على هوية المصريين، بينما نظام الضم يحول المصريين إلى رعايا بريطانيين، وهذا يضر بالأمن والاستقرار.
8ـ الحماية تطمئن بقية البلاد العربية، وتشجِّعها على مواصلة التمرد ضد دولة الخلافة العثمانية.
لقد عيَّنت بريطانيا معتمدًا ساميًا لمصر وهو اليهودي هنري مكماهون، وبدلت اسم الوكالة البريطانية إلى دار الحماية البريطانية، وأعلنت الأمير حسين كامل سلطانًا على مصر في ديسمبر 1914.
الشاهد من هذا الاستعراض التاريخي هو العودة إلى شكل العلاقة القائمة بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وبين الاحتلال الإسرائيلي، الذي سعى طوال فترة الاحتلال على إيجاد سلطان يشبه حسين كامل، وفشلت كل محاولاته، بما في ذلك تجربة تشكيل روابط القرى سنة 1981.
ولم ينجح العدو الإسرائيلي في التخلص من عبء الاحتلال إلا من خلال اتفاقية أوسلو، التي فرضت الحماية الإسرائيلية على الضفة الغربية وغزة، دون الضم، ودون تحمُّل المسؤولية المباشرة عن ظروف الناس المعيشية في الضفة الغربية وغزة، لذلك دأبت الحكومة الإسرائيلية إلى تعيين مندوب سامٍ معتمد لدى السلطة الفلسطينية، تحت مسمى منسق شؤون المناطق، كان آخرهم الصهيوني الجنرال غسان عليان، الذي يشرف على التواصل مع السلطة، ويدير شأن الضفة الغربية من وراء الكواليس، تاركًا للفلسطينيين سلطة رمزية، ممثلة بمسمى رئيس، ورئيس وزراء، وعلم يرفرف، وشبهة سيادة، تبعدهم عن المطالبة بتحرير وطنهم، وتحول بينهم وبين العمل المقاوم القادر على انتزاع حقوق الشعب السياسية والتاريخية.