عندما زار الرئيس الأميركي جيمي كارتر غزة والتقى بإسماعيل هنية وكان رئيسًا للوزراء، استنكر كارتر شروط الرباعية على حماس، ومنها شرط الاعتراف (بإسرائيل) فهو شرط سخيف في نظره لأن بعض الدول لا تعرف ببعض أحيانًا. واستنكر شرط الاعتراف بما وقعت عليه المنظمة والسلطة، باعتبار أنه لا يطلب عالميًّا من الأحزاب أن تعترف بما وقعت عليه الحكومات نيابة عن الدولة، فبعض الأحزاب تعارض وترفض بعض ما وقعت عليه حكوماتهم مع الغير. وطالب فقط أن تلتزم حماس (بنبذ العنف)، مع حقّها بالاحتفاظ بسلاحها، ونبذ العنف بالترجمة الفلسطينية هو وقف المقاومة.
تذكرت هذه المقابلة التي حضرتها شخصيًّا عندما قرأت ما كشفت عنه الوثائق البريطانية التي رفع عنها حجاب السرية بعد (٧٤) سنة، والتي تتعلق بالنكبة الفلسطينية في عام ١٩٤٨م، حيث ورد فيها أن جيش (الإنقاذ العربي) الذي جاء من الدول العربية لقتال اليهود عام ١٩٤٨م ومنع قيام دولة (إسرائيل) كان يجمع السلاح الموجود لدى أفراد المقاومة بداعي أنه الجيش الذي يقاتل اليهود، وبعد الجمع ينسحب من الميدان، ويبقى رجال المقاومة دون سلاح، فتسقط المدن والقرى في يد اليهود.
هذه الشهادة الوثائقية سمعناها من أجدادنا الذين كانت لهم مشاركة عملية في المقاومة آنذاك، أي نحن أمام نبأ عظيم صحيح مئة في المئة. والنبأ يقول إن جيش الإنقاذ ساعد في قمع المقاومة الفلسطينية، ونزع سلاحها، ومن ثمة هزيمتها، ومنح اليهود نصرًا سهلًا.
إن ما يطالبنا به كارتر هو عينه ما فعله جيش الإنقاذ بأوامر من بريطانيا ومن قادة عرب. أي إن كارتر يريد وقف المقاومة بقرار من حماس لتبقى هي في الحكم، وبهذا يريح دولة الاحتلال، ولا يقدم حلًا يستجيب للمطالب الفلسطينية. فشل كارتر لأن قادة المقاومة تشربوا درس جيش الإنقاذ، ولم يعودوا يثقون بغير الله، ثم بما يكسبونه بأيديهم.
قادة جيش الإنقاذ موجودون الآن في أكثر من دولة عربية، ويمارسون المهمة ذاتها التي مارسها الإنقاذ، ولكن بمسميات مختلفة، وبحجج متعددة، ظاهرها وطني، وإنساني، وباطنها القضاء على المقاومة لأنها تحرجهم، وتمثّل عبئًا عليهم، ومن ثم لما فشلوا وضعوها على قائمة الإرهاب؟!، وحاصروها، وجففوا منابعها عندهم، وأداروا تعاونًا أمنيًّا غير مسبوق مع الاحتلال، فالتُّهم التي قد يوجهها لك العدو في محاكمه، هي عينها التى يمكن أن تواجهها عندما تدخل معقلًا عربيًّا أقول هذا أخذًا من أفراد تعرضوا لذلك.
ومع كل هذا العلم الموثوق والمتواتر ما زال الفلسطيني يستغيث بالعربي، بقناعة بقاء الخير عند الأمة وإن فسد من يسمون أنفسهم بالمنقذين!.