فلسطين أون لاين

16 عشر عامًا على "الوهم المتبدد"

في مثل هذا اليوم، الخامس والعشرين من يونيو حزيران 2006، شهدت المواجهة المفتوحة بين المقاومة والاحتلال تحولًا نوعيًّا من مختلف النواحي العسكرية والأمنية والميدانية، حين نجحت في أسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، سواء في الطريقة التي اتبعتها بتنفيذ العملية، أو النتائج الخطيرة التي أسفرت عنها.

لعل النتيجة الأهم لهذه العملية هي نجاح المقاومة في أسر الجندي، وإخراجه من ساحة المعركة "حيًّا يرزق"، ما فتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات تنبأ بها المحللون الإسرائيليون، وجاءت توقعاتهم منذ اللحظة الأولى متباينة، بين من توقع أن يتنازل الاحتلال، ويستجيب لمطالب المقاومة، ويفرج عن الأسرى الفلسطينيين.

وهناك من توقع أن تنزل حماس عن الشجرة العالية التي وجدت نفسها فوقها، وتتنازل عن الجندي وتعيده سالمًا دون شروط، وثالث قدّر أن يسارع الاحتلال لعملية كوماندوز لإنقاذ الجندي من الأسر، رغم أنها تحتاج لمعلومات استخبارية دقيقة جدًّا.

لكن النتيجة التي رأيناها بأم العين بعد خمس سنوات، أن المقاومة فرضت شروطها، وأجبرت الاحتلال على الإفراج عن أسراها، مع أن صفقة التبادل التي أنجزتها كانت ناجحة منذ البداية، خاصة منذ اللحظة التي تمكن فيها المقاومون من تنفيذ عمليتهم في قلب الموقع العسكري الإسرائيلي، وقتل وجرح عدد من الجنود، وتمكنهم من اقتياد أحدهم حيًّا يرزق على قدميه إلى داخل قواعدهم بأعصاب هادئة أثارت أعصاب جنرالات الاحتلال.

كما أن احتفاظ المقاومين بالجندي قرابة ألفي يوم متواصل بلياليها في بقعة جغرافية لا يتجاوز طولها أربعين كيلومترًا، بينما الاحتلال يمتلك أقوى أجهزة المراقبة وأدوات التنصت وطائرات الاستطلاع، ويعجز عن تحديد مكان جنديه الأسير، شكل إخفاقًا إسرائيليًّا قاسيًا.

فضلا عن نجاح المقاومة في إدارة حرب أعصاب حقيقية مع الاحتلال منذ اليوم الأول لعملية الأسر، من خلال الشح المقصود بالمعلومات وتوتير نفوس قادته، فيما تبدي حكومتهم تعطشا مذلا لأي معلومة مهما كانت صغيرة، مثل إدارة أمنية ذكية للعملية.

وفيما تعود الاحتلال إطلاقَ التهديدات والإنذارات، فيما الفلسطينيون عليهم الاستجابة لها والتراجع في اللحظة الأخيرة، فقد أمسكت المقاومة هذه المرة بزمام المبادرة، وأطلقت إنذاراتها، وأمهلت الجيش وحكومته للاستجابة لمطالبه، وإلا سيطوى ملف الجندي!

لقد منحت عملية "الوهم المتبدد" المقاومة القدرة على دخول ساحة العدو، وإحداث الاختلافات العلنية بين أركان المؤسسة العسكرية والأمنية، فتبادل الجنرالات والوزراء الاتهامات حول التقصير الذي مكن المقاومة من تنفيذ عمليتها.

الخلاصة أن مرور هذه الذكرى السنوية السادسة عشرة على أسر الجندي الإسرائيلي تمر، والمقاومة أكثر إصرارًا على تبييض سجون الاحتلال من أسراها، والاحتلال ذاته بات أكثر قناعة على أن المقاومة عازمة على تنفيذ وعدها!