في حين يحيي الفلسطينيون الذكرى الخامسة والخمسين لعدوان 1967، وما أسفر عنه من احتلال أراضٍ واسعة في فلسطين ومصر وسوريا والأردن، بدأت تخرج دعوات إسرائيلية لوقف هذا الاحتلال، والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية، ليس بالضرورة حباً في سواد أعين الفلسطينيين والعرب، بل خشية على مستقبل دولة الاحتلال ذاتها، لأن الاحتلال يشكل خطرا على بقائها.
منذ تلك الحرب قبل 55 عامًا، اتبعت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، يمينًا ويسارًا، نهجاً واضحاً لإدامة واقع سيطرتها على هذه الأراضي عموما، وعلى الشعب الفلسطيني خصوصا، ما زاد بدوره عمق عدائه لهذا الاحتلال، وامتد هذا العداء للأمتين العربية والإسلامية وشعوب العالم الأخرى، وأخيرا انضمام بعض الإسرائيليين لهذه الأصوات.
الإسرائيليون المعارضون لاستمرار الاحتلال يصفونه بأنه "كارثة" تهدد وجود الدولة، لأنه مشبع بالغطرسة والسيطرة على الآخرين، ما يستدعي منهم إزالة وصمة الاحتلال عن الواقع الإسرائيلي، بزعم أن استمراره تفرض ضريبته على وجود الدولة ذاتها، بدليل تزايد عدد الموافقين على الهجرة العكسية من هنا، والنتيجة المتوافرة لدينا مسبقا أن (إسرائيل) لن تكون قادرة على الاستمرار في الوجود، إذا لم يتم إنشاء دولة فلسطينية بجانبها، بعد الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحقيقة أن قراءة مثل هذه السطور الإسرائيلية تعطي دلالات جديرة بالتأمل عن حالة الضجر التي يسببها استمرار الاحتلال على الإسرائيليين أنفسهم، صحيح أنهم في عمومهم يشعرون بنشوة الغرور والسيطرة على الآخرين، ولا سيما الفلسطينيين، لكنهم في دواخلهم باتوا يتحسسون مزيدا من المعطيات التي تظهر حجم الأثمان التي يدفعونها مع مرور الوقت بسبب استمرار هذا الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية، سواء على صعيد الاستنزاف العسكري أو الانتقادات الدولية.
على الرغم من تمتع الاحتلال حتى الآن برعاية غربية وأمريكية، لكن القراءات الإسرائيلية الاستشرافية باتت تبدي تخوفاً لا تخطئه العين عن تراجع هذا الدعم الخارجي، بمن فيه يهود الشتات، في ظل تراجع الرواية الإسرائيلية أمام العالم، وتزايد جرائمها بحق الفلسطينيين، وظهور أجيال جديدة حول العالم تختلف مع القادة السابقين الذين أنشؤوا دولة الاحتلال لحسابات سياسية واستعمارية في حينه.
لعل أبرز مثال على ذلك يتجلى في الشبيبة المتصاعدة داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي المتعاطفة مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وهؤلاء سيحكمون أمريكا مستقبلا، ما يدفع الإسرائيليين لعدم تصور تحقق مثل هذا الكابوس، وهذا معطى جديد يدفع أصواتا إسرائيلية، وإن كانت منخفضة بعض الشيء، لدعوة صناع القرار لطي صفحة هذا الاحتلال لاعتبارات تخص الخشية على مستقبل الكيان ذاته، وليس بالضرورة إنصافا لحقوق الفلسطينيين، وأياً كانت الاعتبارات فإنها دعوات في الاتجاه الصحيح، تتطلب من الفلسطينيين مراكمتها، والبناء عليها.