تعد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا شاهدا تاريخيا على ما تعرض له الفلسطينيون من احتلال وتهجير وعدوان، واليوم تتعرض وكالة الأونروا لأزمة مالية شديدة في استهداف غير بريء يهدف لخدمة الاحتلال الصهيوني الذي يعمل من أجل تغييب الأونروا التي تذكر العالم بمعاناة الفلسطينيين، وفي سبيل ذلك عملت أدوات الاحتلال والمطبعون العرب معهم على إضعاف الأونروا والعمل على إنهائها وهو ما برز جلياً في تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو، حيث دعا إلى توجيه الدعم المخصص للأونروا إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو ما دعا إليه كذلك مندوب الاحتلال السابق في الأمم المتحدة جلعاد أردان، حيث دعا لتفكيك الأونروا، واليوم أيضا نسمع دعوات لرئيس الوزراء الصهيوني الحالي نفتالي بينيت يدعو إلى إنهاء التعاون مع وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا وإنهاء دورها، فهل من قبيل الصدفة أن نسمع تصريحات من مسؤول في الأونروا يدعو إلى تحويل بعض خدماتها لبعض المؤسسات الدولية تحت إشرافها أم أنها ضغوط دولية تمارس ضد الأونروا لإزاحتها عن الساحة وإنهاء عملها؟
وبالعودة قليلاً إلى الفترة السابقة من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد أوقف دعم الأونروا وتحدث من خلال صفقة القرن عن إنهاء الأونروا، لكنه انتهى سياسياً ومعه صفقته، وعندما أعاد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الدعم الأمريكي إلى الأونروا كان ذلك وفق مجموعة من الشروط عرفت باتفاقية الإطار بين الولايات المتحدة والوكالة في مؤشرات تدلل على الرغبة الصهيوأمريكية في إنهاء وتصفية عمل الأونروا من خلال الأطروحات الصهيونية والاشتراطات الأمريكية التي تضمنتها اتفاقية الإطار.
وتأسيساً على ذلك يجب المحافظة على وجود الأونروا بصفتها هيئة شرعية تستند إلى القرارات الدولية والعمل على تعزيز مكانتها القانونية، وأن التصريحات الداعية لتقديم مؤسسات دولية خدماتها نيابة عن الأونروا فيها انحراف عن دور الأونروا وعزلها عن البعد السياسي والقانوني الذي رسمه القرار 194 وكذلك قرار إنشائها رقم 34 لعام 1949 وأن هدف الوكالة هو مساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين وتأمين العمل لهم في مناطق عملياتها في (الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية، بما في ذلك شرق القدس وقطاع غزة) إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، وهو ما يجب الإصرار على استمراره بفاعلية، وإلا فإن النتائج ستكون كارثية على الجميع.
وهنا يبرز تساؤل مهم يصيب كبد المشكلة: كيف تفاقمت الأزمة المالية للأونروا؟ بالتأكيد الإجابة كبيرة عن هذا السؤال، ومتراكمة وليست وليدة شهر أو عام فقط، ولكن لنأخذ جانبا مهما، وهو أن التطبيع العربي مع الاحتلال انعكس سلبياً على الأزمة المالية التي تمر بها الأونروا، حيث تقلص الدعم العربي للأونروا من 200 مليون دولار عام 2018 إلى 89 مليون دولار في عام 2019، و37 مليون دولار عام 2020 وهو ما يكشف عن حجم التآمر من الصهيونية والمطبعين من أجل تفكيك الأونروا، إضافة إلى الجهود التي تبذلها الخارجية الصهيونية من أجل تقليص الدعم الدولي والغربي للأونروا، والرغبة في إنهاء وجودها باعتبارها شاهدا على إجرام الاحتلال.
قبل أيام صرحت اللجنة المشتركة للاجئين في قطاع غزة بأنها تنظر بخطورة إلى تحويل خدمات الأونروا إلى جهات دولية أخرى، وهي تخوفات واقعية ومشروعة في ظل المحاولات الخبيثة التي ينتهجها الاحتلال من أجل طمس معالم جرائمه بحق الأرض والمقدسات والإنسان في أرض فلسطين.
وأمام حجم التحريض من الاحتلال ضد الأونروا فإن ذلك يدفعنا إلى ضرورة دعم استمرار عمل الأونروا شعبياً ورسمياً، وحتى تطبيق القرار 194 وعودة اللاجئين باعتبار هذه المهمة التي وجدت الأونروا من أجلها وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في هذا الاتجاه، مع أهمية دعم الأونروا إعلامياً ودبلوماسياً ومالياً والدعوة لدعم عربي وإسلامي واسع بالتزامن مع الدعم الدولي لأهمية هذا الدور الذي تقوم به الأونروا من خدمات كبيرة للاجئين الفلسطينيين في قطاعات التعليم والصحة والعمل وغيرها، فهناك ٢.٣ مليون لاجئ يعيشون حالة فقر، ولا يزال أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في القدس وغزة ولبنان والضفة وسوريا والأردن يعانون أوضاعا بالغة الصعوبة والتعقيد بفعل الاحتلال والأزمات المركبة التي انعكست على اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم.
وأمام الاستعداد للتصويت على تجديد ولاية الأونروا في نهاية هذا العام يجب أن تكون الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية حاضرة وبقوة لتجديد الدعم وإسناد هذا القرار بكل قوة من أجل استمرار عمل الأونروا حتى تحقيق العودة لأرضنا الفلسطينية التي هجرنا منها بقوة الإجرام الصهيوني واستعادة الحقوق المكفولة وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.