عقب انتهاء المناورات الإسرائيلية الأكبر في تاريخ جيش الاحتلال، المسماة "عربات النار"، زادت التسريبات التي تتحدث أن هذه المناورات تحضير لمواجهات قادمة في الطريق، مع واحدة من الجبهات المختلفة في المنطقة، مما أظهر في المقابل تخوفات إسرائيلية متزايدة مفادها أن كل جولة معارك مستقبلية ستؤدي فقط إلى استنزاف الجيش، وتردي مكانته، مع أن آخر استطلاع للرأي بين الإسرائيليين، نشرت نتائجه في أكتوبر 2021، أظهر أن ثقتهم بالجيش في أدنى مكانة منذ 2008، وهذا الاتجاه مثير لقلقهم، ولا سيما عندما يعتمد على نتائج الحرب المقبلة.
صحيح أن تمرينات الجيش ربما تم إنجازها مثل عقارب الساعة، لكن للواقع الميداني المعقد قواعده الخاصة، ومع أن هناك سلسلة خلافات إسرائيلية تبدأ ولا تنتهي حول الحاجة للحرب في أي جبهة كانت، فضلا عن وجود إجماع بالأساس لها، لكن التخوف في الوقت ذاته أن الجيش قد يجد جهة إسرائيلية سياسية أو حزبية ما تستفزه للوصول لهذه الحرب، بحيث يتم جره إليها، كما في حروب لبنان 1982، 1996، 2006، وحروب غزة 2008، 2012، 2014، 2021.
مع العلم أن الجنود الذين خاضوا تلك الحرب في يوم من الأيام، أصبحوا اليوم قادة ألوية وفرق، وبعضهم ارتقى للقيادة العليا في هيئة الأركان، ومنهم قائد الجيش كوخافي، لكن الغريب أنهم جميعا يتفاعلون بعجز تام أمام الدعوات الإسرائيلية لاستئناف الحروب، ولا يستطيعون التعامل مع ما يمكن وصفها بـ "الجريمة القومية" داخل الجيش، بل يفقدون قدرتهم على قيادته في أثناء الحرب، وجاءت النتيجة الصادمة متمثلة في وصول ثقة الجمهور به إلى حدها الأدنى، لتبلغ 78٪.
رغم ما يسوقه بعض الجنرالات الإسرائيليين من مسوغات لخوض الحروب القادمة، بالزعم أن "الجيش يقاتل من أجل وجود الدولة"، لكن مواقف غالبية الجمهور تتلخص في أن الحرب دافعها أمني بالدرجة الأولى، أي ضد من يقاتله، وليس بأوامر دينية أو حزبية، في حين دأبت الحكومات اليمينية دائما على غرس الشعور بأنه في أي مكان، وأي لحظة، يجب أن نخوض الحرب، بغض النظر عن نتائجها الكارثية.
في الوقت ذاته، فإن نتائج الحروب الأخيرة، على مختلف الجبهات، غزة والضفة ولبنان، وما تركته من آثار سلبية على وضعية الجيش، دفعت محافل إسرائيلية لإجراء ما وصفته بـ"كشف حساب" في نهاية كل معركة، وتنسيق التوقعات المسبقة من أي حرب قبل خوضها، وعند الحديث مثلا عن الخسائر البشرية في الجيش، فإن الأمر يستدعي معرفة ما إذا كان الإسرائيليون مستعدين لدفع الثمن، ومدى تهيئة الرأي العام لمواجهة سقوط آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية، وإلا فلن تكون هناك إنجازات عسكرية.