بعد أيام من اغتيال ضابط الحرس الثوري الإيراني حسن صياد خدائي في قلب طهران، والتسريب الأمريكي بشأن مسؤولية جهاز الموساد، جاء التفجير في المختبر السري بمدينة بيرشين، وقيل إنّ الأصابع الإسرائيلية تقف خلفه؛ ما قد يُشير لتغيير جذري في إستراتيجيّتها، فالحديث لم يعد يدور عن استهدافات ضد أهداف في سوريا، بل عمليات مركّزة وموجّهة تجري في الأراضي الإيرانية ذاتها.
سبق العمليات الأخيرة تدمير لمصنع إنشاء الطائرات بدون طيار بمحافظة كرمنشاه شرق إيران، المُقام داخل منشأة عسكرية سرية للغاية؛ ما يعني وجود ما تسميه اختراقات في عمق منظومة المخابرات الإيرانية، تجعل الموساد وأجهزة الأمن الأخرى مُطّلعة بما يكفي على كلّ ما يحدث في حدودها، وداخل أراضيها.
تعكس الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في عمق الأراضي الإيرانية تصورًا أكثر عدوانية للحرب ضدها، عقب إرسالها سربا من الطائرات بدون طيار في فبراير باتجاه فلسطين المحتلة، تم كشفها من أنظمة الرادار والاستشعار الأمريكية بإحدى دول الخليج، ولا يُعرف بعد هل كانت بغرض جمع المعلومات الاستخباراتية، أو تنفيذ مهام انتحارية فيها.
تُشير المعطيات الإسرائيلية أنّ العمليات الأخيرة لا تُبقي مجالًا للشكوك أننا أمام ردودٍ مختلفة على إيران في سوريا، كما جرت العادة، أما بالنسبة للمخابرات الإيرانية، فإنّ قِصر الفترة الزمنية بين كلّ عملية في عُمقها، يُشكّل لها انتكاسة فعلية، فمن نفّذوها أرسلوا رسالة لها مفادها أنّ أيّ هجوم لهم على إسرائيل سيكون له ردٌّ فوري، رغم أننا أمام عمليات مُعقّدة، لكنها تمّت في وقت قصير، وفي حال ثبُت أنّ الموساد يقف خلفها، فهذا يعني أنّ لديه إمكانيات جدية داخل الأراضي الإيرانية.
في الوقت ذاته، فإنّ الموساد ومن يقف خلفه من المستوى السياسي الإسرائيلي يُظهرون حرصًا لا تُخطئه العين على أنّ استمرار مثل هذه العمليات، يجب أن يرسم حدودًا دقيقة لن تؤدي إلى تدهور في حرب شاملة، ولذلك فغالبًا ما تُستخدم عبارة "لا تضع إصبعك في أعينهم"، بمعنى أنّ (إسرائيل) ليست معنية أن تحشر إيران في الزاوية، وتُجبرها على الرد، ولذلك مثلًا تحرص خلال عملياتها في سوريا ولبنان على عدم إيقاع قتلى بصفوف حزب الله، لأنه قد يؤدي لتدهور وصولًا لاندلاع الحرب.
في المقابل، فإذا حاول الإيرانيون تحصيل ثمن دموي من (إسرائيل) عبر استهداف سُيّاحها في الخارج، فقد يكون هناك ردٌّ إسرائيليٌّ أكثر شدة في هذه الحالة؛ ما يرفع مرتبة وأهمية الهدف من الهجوم القادم، بالتزامن مع سير المفاوضات الجارية مع الدول العظمى لإنجاز الاتفاق النووي، وفيها يعلم الإسرائيليون أنهم مضطرون للاختيار بين السيئ والأقل سوءًا.