لا تزال دولة الاحتلال بأجهزتها الأمنية وتشكيلاتها السياسية تصارع بين إشكالية الوجود وحتمية الفناء، وما مسيرة الأعلام التي نظمت في مدينة القدس عاصمة دولة فلسطين إلا محاولة لترميم صورة النظام المتهالك الذي يعيشه الكيان بعد معركة سيف القدس ودلالاتها وانعكاساتها التي كشف عنها برنامج ما خفي أعظم الذي بثته قناة الجزيرة، ليدلل على قدرات المقاومة المهيبة التي دكت المدن المحتلة، وأمام مسيرة الأعلام التي تخطت الخطوط الحمراء لن يطول صمت المقاومة، وسنكون أمام موج ثأر شعبي وفصائلي دفاعاً عن المسجد الأقصى، فمن يمتحن حبنا للمسجد الأقصى جاهل أو مغيب.
ولا تزال المقاومة تخوض مخططاً مدروساً وهي تملك من الشجاعة والفداء والحكمة ما يمكنها من اختيار التوقيت المناسب للرد والطريق الأصوب للتعامل مع الإجرام الصهيوني من خلال مجموعة من الإجراءات والأساليب التي ستفرضها المقاومة استعداداً لمعركة التحرير.
رغم الاستفزازات الصارخة فإن حكمة المقاومة تجاوزت فكرة المراهقة النضالية وصولاً إلى الموقف الحكيم من منطق الأبعاد العسكرية والأمنية لتحقيق أهداف وغايات المقاومة التي لن تستطيع دوائر الاستخبارات الصهيونية تحديد معالمها، وأن هذه الخطوة ستزيد شعبنا تمسكاً بالمقاومة التي تستمر في مراكمة القوة في زمن الصمت الدولي على جرائم الاحتلال.
وترتيباً على ذلك هناك دلالات كثيرة من عدم رد المقاومة على مسيرة الأعلام بشكل سريع وعاجل فما حدث في مسيرة الأعلام الصهيونية تنتفي عنه صفة الانتصار وهو في إطار أهداف انتخابية صهيونية، إضافة إلى أنه لا تزال هزيمة الاحتلال في معركة سيف القدس دامغة، وبحسب مراسل يديعوت أحرونوت عاميحاي أتالي فإن "مسيرة الأعلام أثبتت أن القدس ليست موحدة، ولا توجد سيادة عليها وتمت بفضل حماية الشرطة ولا يوجد يهودي واحد يجرؤ أن يسير بها وحده".
لا تزال حاضرة في تاريخ قضيتنا محطات بارزة أوجدتها معادلات معركة سيف القدس، ولا تزال متواصلة بداية من تصاعد العمليات الفدائية ووحدة الجبهات، والتعاون الاستخباراتي المستمر في الغرفة الأمنية المشتركة لمحور القدس في مواجهة الاحتلال.
ويهمنا أن نذكر في هذا المقام أن المقاومة وصلت لابتكار أساليب تكتيكية جديدة، وأنها ركزت على امتلاك أدوات نوعية بكفاءة عالية وبقى من أسرارها أعظم ما كشف عنه وما تزال خطط المقاومة التي بلورتها حاضرة وليست ببعيدة عن التنفيذ، وهي ضمن إستراتيجية الردع، تمهيداً للمرحلة النهائية التي سيكتشف بها الاحتلال أنه أخطأ التقدير وفشلت حساباته أمام عقول أسود المقاومة.
خلاصة القول: إن فصائل المقاومة الفلسطينية لم ولن تستسلم للاحتلال، ومستمرة في التجهيز لمعركة التحرير، وهي التي استوعبت خطط الاحتلال وسجلت معجزات عسكرية كبيرة، وما زالت مئات الحكايات الأسطورية سيرويها التاريخ عن رجال المقاومة الذين يحملون ذكاء كبيرا وحكمة عظيمة رغم ضغوط العدو.