ما شهدته الساعات الأخيرة في ساحات المسجد الأقصى من اقتحامات من المستوطنين، التزاما من الحكومة بتمرير مسيرة الأعلام، من خلال ذات المسار المعد لها من قبل، رغم الضغوط السياسية والتهديدات الفلسطينية، يؤكد أن الاحتلال ماضٍ في مخططاته التهويدية والتقسيمية للأقصى، رغم ما يحتمله ذلك من مخاطرة مكلفة، تصل حدّ الدخول في مواجهات عسكرية مع المقاومة.
مع العلم أن تنظيم المستوطنين لمسيرتهم، واقتحامهم بالمئات باحات الأقصى، وأداءهم لبعض الطقوس التلمودية، بما فيها السجود الملحمي "الانبطاح"، وإصدار الدعوات والترانيم الدينية، ورفع الأعلام الإسرائيلية، بل وانضمام زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو للمقتحمين، يعطي إشارات لا تقبل كثيرا من الشكوك أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض الأمر الواقع في أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين.
تكمن عدة أسباب وعوامل ذاتية وموضوعية تحاول تفسير هذا التغول الإسرائيلي باتجاه الأقصى، رغم تقديرهم أن ذلك قد يسفر عن تكرار لمعركة سيف القدس 2021، لكن الاحتلال، كما يبدو، قبل خوض هذه المخاطرة، ربما لأنه إن تراجع عن المسيرة سيعيش مخاطرة أكبر، تصل حد المقامرة بمستقبل الحكومة ومصير رئيسها وصورة جيشها.
واحد من هذه الأسباب، وليس كلها، أن ما أظهره المرابطون في ساحات الأقصى من جأش وجرأة كبيرين في وجه المستوطنين المقتحمين، والتحامهم مع شرطة الاحتلال، ربما استدعى حشد المزيد من أعدادهم، لأنها لم تكن كما توقع الفلسطينيون، مع أن الحديث عن المسيرة بدأ منذ أسابيع، أدرك أن الاحتلال حال دون وصول عشرات الحافلات إلى الأقصى، لكن عنوان المواجهة في الساعات الأخيرة تمثل بـ"الحشد مقابل الحشد"، الأمر الذي يتطلب أخذ التغذية الراجعة لاقتحامات قادمة، لا يبدو أنها ستتوقف عند مسيرة الأحد 29 مايو.
صحيح أن الساعات الأخيرة مرت بتوتر حذر، ولو جاء نسبياً، ولم تصل الأمور فيها إلى حد المواجهة المفتوحة، لكن ذلك لا يعني أن معركة الأقصى انتهت، على العكس من ذلك، فإن ما حدث قد سعت إليه حكومة الاحتلال الحالية من خلال تحقيقها لمطالب المستوطنين بتمرير المسيرة، ووفق ذات المسار، ما أظهرها على يمينيتها، ولم تدق آخر مسمار في نعشها، كما رغبت بذلك المعارضة، وفي الوقت ذاته منحت قادة الشرطة الميدانيين صلاحية اتخاذ القرار المناسب في عدم إفساح كل الطرق والمسارات أمام المستوطنين، بما قد يؤدي إلى اشتباك دائم مع المرابطين.
ما زال أمامنا تواريخ يهودية أخرى قد تشكل مناسبة لاقتحامات جديدة، وأهمها الخامس من حزيران، يوم احتلال القدس، ما قد يجعلنا أمام اختبار جديد للجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، الأمر الذي يستدعي من أصحاب القضية، الحريصين عليها، استخلاص الدروس والعبر، وأخذ التغذية الراجعة تحضيرا لما هو قادم.