بدأت حكاية الرفض النفسي لعلم الاحتلال وبشكل فعلي جماهيري منذ معركة سيف القدس؛ فارتبط اسم السيف بمسيرة الأعلام واقتحام المسجد الأقصى والعربدة بحق المقدسيين، وكانت سبقت هذه الحكاية قصة البوابات الإلكترونية التي أزالها المقدسيون في إشارة إلى السيادة التي يعززونها.
العلم الآن في جامعة "بن غوريون" وجامعة (تل أبيب) وحوارة وباب العامود واللد وعرابة وفي كل مكان باتت السيادة التي يحاول الاحتلال تثبيتها وحفظها من التيهان؛ من خلال الأعلام التي تنتشر في كل أنحاء فلسطين على أعمدة الإنارة في الشوارع والتي لم يستطع أحد منهم أن يحملها بأمان بيده في باب العامود أو غيره نظرا لحالة التصاعد الثوري والغضب الفلسطيني من تلك الممارسات.
العلم الذي يفشل الاحتلال في المشي به بهدوء في باب العامود بعد أن ظن أن مجرد الضوء الأخضر الأمريكي لهم بأنها عاصمتهم الأبدية ونقل السفارة الأمريكية للمدينة؛ أنهم نجحوا في فرض السيادة، فانصدموا وتفاجؤوا أن صواريخ تدك القدس من أجل العلم، أن اللد والرملة وأم الفحم وجنين والخليل والقدس تثور في وجه العلم.
العلم الذي بات المستوطن يخشى رفعه على سيارته حينما يسير في شوارع الضفة الغربية، وبات يستقوي بقوات وجنود حينما يهاجم المدن والقرى ويحمل العلم كما في حوارة.
هناك وعلى الجانب الآخر لم تكتفِ الإرادة الفلسطينية بمنع علم الكيان؛ فبات العلم الفلسطيني في كل مكان يرفرف حتى في قلب القدس في مشهد رصدته كاميرات العالم كيف هاجم الاحتلال توابيت الشهداء شيرين أبو عاقلة ووليد الشريف لإزالته.
العلم الذي يرفرف على قبة الصخرة وقلب الجامعات في الداخل والمدن، بات قرارا وسيادة لم يحسب لها الاحتلال حسابا فانقلب السحر على الساحر، فبعد أن كان ممنوعا علم فلسطين وعلمهم يرفرف أينما كان؛ تحولت المعادلة وبات العلم الاحتلالي ممنوعا وباتت المقاومة وحاضنتها الشعبية تقرر المسار والزمان والحجم، وبات الشرطي الإسرائيلي ينفذ تعليمات المقاومة مباشرة بمهاجمته المستوطنين ومصادرة الأعلام منهم.
في المقابل يرفرف العلم الفلسطيني بإرادة الأحرار، فالعلم بات حالة دولية بين علم الاحتلال الذي تصاعدت مطالبات دولية على رأسها أمريكا للاحتلال بمنع مسيرته، بينما العلم الفلسطيني بات استهجانا دوليا كيف يجرؤ الاحتلال على مهاجمة جنائز الشهداء في القدس لإزالته ومطالبين بعدم المساس به.
سيادة العلم ودبلوماسيته ومقاومته وحاضنته تصنع المعركة وتعزز الإرادة وترسم ملامح مرحلة مقبلة لعل أبرزها صفعة حوارة جنوب نابلس؛ والتي حاول الاحتلال جعلها منطقة تعايش وتجارة مشتركة ومنطقة يشترك فيها المستوطن مع المواطن الفلسطيني من خلال أشكال الحياة وجغرافيتها التي من وسطها يمر المستوطنون إلى المستوطنات، فبات العلم الفلسطيني هناك في وجه علم الكيان وبات التحدي يوميًّا والمنتصر هو الذي يحتضن العلم في بيته ومحله التجاري ومركبته، وقبل ذلك كله في ترابه ودمه.
بين العلم المدان لجر المنطقة إلى الحرب والعلم الذي يصر على التحرر والسيادة التي يحاول الاحتلال عبثا كسرها؛ تفتح المرحلة القادمة باب التساؤل الكبير عن مصير فكرة نظام سياسي مرجعيته اتفاقية أوسلو التي من طبيعة ممارسات الاحتلال مؤخرا يسعى ورغم سوئها إلى تجاوزها لصالح مشروع وحلم عميق لديهم تكون الضفة الغربية والأغوار خاصرة أمنه القومي، ولذلك العلم اليوم معركة البقاء التي يراها الاحتلال مقدسة.