تعرض المسجد الأقصى بكل ساحاته وباحاته منذ أكثر من أربعة عقود لخطر إسرائيلي داهم، إلا أن درجة الخطر بقيت في الأفعال الخارجية والمحيطة بالأقصى كالحفر والأنفاق، ولم تصل درجة الاستعلاء الفعلي، ذلك أن الشاعر بالإثم لا يعرف الطمأنينة البتة. ولكن الخطر الحقيقي يقترب أكثر من أي وقت مضى لاستيلاء كلية على المسجد الأقصى.
الآن تتغير الفتاوى اليهودية حول زيارة ساحات المسجد الأقصى تغيرًا جوهريًّا, فبعد الحظر المطلق المفروض على اليهود بدأت إشارات السماح المقيد لهم وبالتالي يزداد عدد اليهود الراغبين بالقدوم للمسجد باعتباره نقطة جذب لهم أو سياحة أو زيارة. ويبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية بدأت تعيد النظر في الحرمان المطلق المفروض على اليهود لزيارة المسجد الأقصى وبدأت تقلل من الأخطار الكامنة فيه ولم تعد ترى فيه تهديدًا جديًّا وخطيرًا للأمن والنظام العام. وبدأت الشرطة الإسرائيلية تطلق بالونات اختبار لجس نبض رد الفعل الإسلامي فيما لو حدث طارئ في المسجد الأقصى أو في ساحة من ساحاته. فقد رأينا تحديدًا لأعمار المصلين الداخلين للمسجد الأقصى، بل رأينا إغلاقًا كليًّا أو جزئيًّا لأبواب المدينة المقدسة، ومنعت الداخلين إليها أيام الجمع، وكانت الجمعة الماضية لم تنل الحظ في الصلاة في المسجد الأقصى بعد أن أغلق الاحتلال بواباته ومنع الفلسطينيين من تأدية صلاة الجمعة بحجة العملية المسلحة التي أدت مقتل اثنين من شرطة الاحتلال واستشهاد منفذي العملية الثلاثة.
السؤال هل كانت (إسرائيل) متوقعة هذا الحدث أم فوجئت به؟ أعتقد أن هذا الحدث لم يأت من فراغ، وكان متوقعا من سلطات الاحتلال، بسبب الاستفزازات المستمرة من المستوطنين وقوات الاحتلال الذي يقتحمون باحاته ويدنسون أماكنه المقدسة، وإذا كانت سلطات الاحتلال لم تتحسب عواقب أفعالها واستفزازاتها، لماذا تغلق المسجد الأقصى وتمنع الصلاة فيه لأيام، وتصادر مفاتيحه وتنصب بوابات إلكترونية وكاميرات تصوير وأجهزة مراقبة وما خفي أعظم؟ أليست هي المسؤولة عما جرى ويجب أن تتحمل النتائج التي ترتبت على سنوات من الاحتلال والتهويد والحفر والأنفاق والتهجير للمقدسيين؟
ولهذا السبب فأنا أتوجه إلى كل العلماء والمخلصين والغيورين والمدركين لخطورة الأمر أن يقوموا بدورهم في توعية الأمة بالخطر الداهم الذي يهددها ويهدد المسجد الأقصى المبارك، ويجب على الكل أن يقوم بدوره، والمجالات في ذلك كثيرة وسأذكر هنا بعض النقاط التي أظن أنها مهمة جدًا لتوعية أمتنا وللعمل على نصرة الأقصى:
1- توعية الناس بالخطر الذي يهدد المسجد الأقصى من خلال فضح مخططات العدو ونشر هذه المخططات حتى تصل إلى أكبر قدر من الناس، وإعلام الناس بأهمية المسجد الأقصى وأن في هدمه وضياعه خسارة كبيرة .
2- تأييد المقدسيين ودعمهم بكل أشكال الدعم سواء كان دعم مادياً أو معنوياً، وكذلك تعريف الناس بدورهم وأنهم مرابطون على الثغور .
3- التأكيد على عروبة وإسلامية القضية والمعركة وأن فلسطين والأقصى ليسا ملكا للفلسطينيين وإن كانوا هم أصحاب الأرض ولكنهما ملك للأمة الإسلامية كلها، ولا يجوز لحاكم ولا لفصيل ولا لحركة ولا لأي شخص كان أن يفرط فيه بأي سبب أو حجة ومهما كانت الظروف والأحوال حتى لو أجمع الشعب الفلسطيني كله على التخلي عن جزء من فلسطين.
4- على العلماء اتخاذ مواقف جادة وصريحة لا تقبل اللبس ولا التأويل ممن يعترف بشرعية الكيان الصهيوني الغاصب وممن يلمح أو يصرح بإمكانية التنازل عن جزء من الأرض في مقابل إنشاء الدولة المزعومة .
5- على العلماء القيام بدورهم في توضيح ما يجرى في الأرض المباركة من خلاف سياسي وتوضيح الموقف الشرعي الصريح، ورفع اللبس الموجود عند كثير من الناس، فلا مساواة بين قوى الحق وقوى الباطل ولا مساواة بين قوى الخير وقوى الشر.
6- على وسائل الإعلام أن تقوم بدورها الكامل في نقل الواقع الفلسطيني وتوثيق جرائم الاحتلال تجاه الأقصى وعرضها على الناس وكذلك توعية الناس بمخططات الاحتلال.
7- المدرسة والجامعة قلعتان مهمتان لتربية جيل جديد يعرف الحقيقة، وحب القدس والمسجد الأقصى وتدريس قصيته في المناهج.
8- يبقى دور المفكرين والكتاب والسياسيين في نقض عمليات التهويد للقدس والمسجد الأقصى.
يجب العمل من الآن على نصرة الأقصى وحمايته ولا يجوز لنا التأخير في ذلك فالاحتلال يسابق الزمن ولا يترك شيئًا للفرص أو للظروف بل إن كل شيء يقوم به يكون قد درسه وخطط له جيدًا.