في تقرير نشرته يديعوت أحرونوت حول دوافع العمليات الفدائية الفردية التي وقعت مؤخرًا في بئر السبع، والخضيرة، وتل أبيب، وأسفرت عن هلاك (١٩) مغتصبًا، وجرح آخرين، أن دوافع هذه الهجمات دينية، وليست قومية، وليس لحماس أو غيرها علاقة مباشرة في تنفيذها، ولكن ربما هنا علاقة غير مباشرة لحماس فيما قامت به من حملة إعلامية ضد اقتحامات المسجد الأقصى، وهي حملة استفزت مشاعر الشباب للانتقام دفاعا عن المسجد الأقصى.
ويخلص التقرير إلى أن هناك زيادة في الدوافع الدينية لمنفذي العمليات، أمام انخفاض في الدوافع القومية.
هذا التقرير فيه قدر من المنطق، ومع ذلك فهو يحتاج إلى تصويب بعض الأخطاء فيه، ولعل أهم نقطة تحتاج إلى التصويب والتصحيح هي : فصله بين (الدافع الديني والدافع القومي)، وهما دافعان لا يمكن الفصل بينهما، لامتزاج أحدهما في الآخر في الوجدان الفلسطيني.
من يدافع عن حقه الوطني والقومي طلبًا للحرية، والحق في تقرير المصير والدولة، هو يدافع أيضًا عن القدس والمسجد الأقصى، وحقه الديني، فالمسجد الأقصى وهو القبلة الأولى للمسلمين، ومنه عرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وفيه صلى بالأنبياء، هو جزء من الوطن الفلسطيني، والأرض الفلسطينية التي يجب أن تتحرر، وأن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية، ومن يدافع عن المسجد الأقصى ضد اقتحامات المستوطنين، يدافع عن إسلامية المسجد الأقصى والقدس، ويدافع عن فلسطينية المكان، وأنه ضمن الولاية الفلسطينية، والسيادة الفلسطينية، دون التعارض مع الرعاية الهاشمية القائمة الآن بسبب الاحتلال.
إن وجود دوافع دينية قضية مُسلَّم بها، بل هي دوافع تتعاظم يومًا بعد يوم، بسبب تعاظم القناعة بأن الإسلام هو الحل، لأن مشاريع الحلول الأخرى فشلت، أو سجلت تراجعًا أمام تقدم الحل الإسلامي، ومن الطبيعي أن يلجأ المناضلون الفلسطينيون إلى الدين لتعظيم نضالهم، وحماية أعمالهم من الانحراف، وطلبًا للآخرة والشهادة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تزايد اقتحامات المغتصبين للأقصى عددًا وكيفية بما يشكل خطرًا مباشرًا عليه (مكانًا، وزمانًا، وقيمة)، يؤدي حتمًا لتعاظم حركة الدفاع عنه ضد التقسيم، ونزع القيمة الإسلامية الخالصة التي تحيط به، وبمساحته كاملة.
ومن جوانب الصواب الأخرى التي في التقرير: إشارته إلى عنصر الفشل الذي سقطت فيه الأجهزة الأمنية بشكل متكرر مع كل عملية فدائية فلسطينية، وهو فشل يزرع بذور عدم الثقة بما يقوله الجيش ورجال الأمن، وقد يكون عاملًا مساعدًا في عدم الثقة ببقاء الدولة، ومن ثمة المغادرة المبكرة منها إلى بلاد الغرب وأميركا.
إن هذا التقرير وإن كان مكتوبًا من وجهة صهيونية، ولأهداف صهيونية، إلا أنه يستحق اهتمامًا وتحليلًا من أصحاب القرار في الفصائل الفلسطينية، والإجابة على سؤال الحرب الدينية، الذي يفرض نفسه على الجميع، وفي الميدان.