قلنا في مقال سابق إن الصيام في شهر رمضان في فلسطين يتميز عن الصيام في الشهر نفسه في عواصم العالم العربي، ذلك أن في فلسطين مع الصيام حالة جهاد ومقاومة للعدو الصهيوني لا توجد في البلاد العربية. الرباط والمجاهدة في القدس وغزة يكادان يشغلان حياة الصائمين اليومية. الصائمون في فلسطين يتابعون الصلوات وقراءة القرآن ومعهما يتابعون اقتحامات المتطرفين الصهاينة من جماعة الهيكل لساحات المسجد الأقصى. فهم يوميا بين جهادين: أكبر وأصغر. في حين يقف إخواننا في بلادنا العربية عند الصيام والصلاة، حيث تمنعهم حكوماتهم من الانخراط في الرباط ومجاهدة العدو، والمؤسف أن إخواننا الأغنياء في الخليج وغيره، كانوا فيما مضى يعينون إخوانهم المرابطين بالمال ويعينون أسر الشهداء والأسرى بالزكوات، ولكن هذه الإعانات توقفت منذ سنوات، قبل تطبيع دول من الخليج مع العدو، وبعد تطبيعها.
بل إنه ثمة زاوية أكثر إيلاما من وقف الإعانات الخليجية والعربية تفرض نفسها من خلال التداعي، وذكر الشيء بالشيء، فبعض نشطاء جمع التبرعات لفلسطين وغزة هم الآن رهن السجن والاعتقال في المملكة ودول خليجية، وبعضهم محكوم بخمس عشرة سنة سجنا لأنه جمع مالا لحماس أو قل لغزة بشكل عام. إن عوائل هؤلاء المسجونين تتألم ألما شديدا في شهر الصيام، لأنها تستذكر عطاء الخير الذي كان يقوم عليه أبناؤهم حسبة لله، وعطفا على الفقراء والمساكين والغارمين، وعونا للمجاهدين في سبيل الله.
أنا مضطر لأن أكتب هذه الكلمات بحقهم لأني أشاهد صورة من هذا الألم يوميا في بعض هذه الأسر، وفي الوقت نفسه أستذكر أياديهم البيضاء على الفقراء والمساكين في سنوات خلت كانت المملكة ودول الخليج لا تمنعهم من جمع تبرعات وتحويلها لغزة. الآن جففت عواصم العرب هذه الينابيع التي كانت تسقي بعض الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، ولم يعد المجاهد يجد من يعينه على شراء رصاصة جهاد، أو بدلة عسكرية تحميه من برد ليلة شاتية من ليالي فلسطين الباردة.
إذا كانت ليلة القدر في العواصم العربية كليلة القدر في فلسطين، وهي يجب أن تكون كذلك سواء بسواء، لأن الدين واحد، والجسد المسلم واحد، فيجدر بمن يحيون ليلة القدر في خارج فلسطين الدعاء لأهل فلسطين، وللمجاهدين فيها، وللمرابطين في الأقصى، وحبذا أن يتشجع بعضهم فيكتب مقالا أو تغريدة يطلب من أهل الحكم في بلادهم إعادة النظر في مسألة تجفيف المنابع، وأن يطلبوا من الملك والأمير الإفراج عن المسجونين بتهمة ما ورد شرحه في المقال، ولا بأس في إرسال المسجونين مرحلين إلى غزة، وإلى ذويهم، إن تعذر العفو عنهم مع إعادة الاعتبار لهم.
هذا هو شهر الصيام في فلسطين حرسها الله، وحرس دينه في عواصم العرب والمسلمين، لذا أعده شهرا للصيام يمتاز عن الشهر نفسه في بلاد عربية عديدة، والله المستعان، وكل عام وأنتم بخير.