"المرابطون هم خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى"، عبارة بتنا نقرأها في الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، ونسمعها في الإذاعات المحلية، ونشاهدها حية ومباشرة عبر شاشات التلفزة الفضائية، ويعيش المشاهد حينها شعور الرباط مرة ويخفق قلبه مرة أخرى خشية على المرابطين من بطش آلة الحرب الصهيونية بسبب القمع والاعتداء بالهراوات والرصاص المطاطي والحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. شكل المرابطون من أجسادهم حائط سد لإفشال كل محاولة اقتحام تقوم بها جماعات استيطانية صهيونية كهنوتية يمينية متطرفة، تهدف من ورائها فرض إلى واقع جديد داخل المسجد الأقصى و تمرير مشروع تقسيم الدخول لباحاته واستباحة المصليات الرئيسة ( المصلى القبلي، والمرواني ..وغيرهما) وتمكين المستوطنين من التجوال فيها وفقا لفكرة التقسيم الزماني والمكاني، ومحاولة لإظهار حكومة الاحتلال أنها راعية لتنظيم وصول الجميع للمسجد الأقصى، وهي رواية صهيونية بامتياز تحدث عنها صراحة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت في تصريحات صحافية أن كيانه يسعى لتنظيم الوصول لجميع (الأديان) إلى الأقصى، ولم يقف دور المرابطون عند هذا الحد بل اتخذ جمهور المرابطون من أجسادهم جدر حماية من بطش قوات شرطة الاحتلال المقتحمة للمسجد والتي استخدمت كل قوة مفرطة ضد مدنيين مصلين عزل لا يملكون من أمرهم سوى صدور عارية و أجساد خالية من أي نوع من انواح التسلح.
وتقوم فكرة الرباط على المكوث في المسجد الأقصى في ساعات الاستهداف الصهيوني له، ومنذ عام 2012 نفّذت جماعات استيطانية صهيونية تسمى ب «جماعات المعبد» جولتين من الاقتحام للمسجد الأقصى، صباحيّة في تمام الساعة 7 صباحًا، وأخرى في تمام الساعة 11 صباحًا. ويشكل أهلنا من القدس والداخل المحتل والضفة الغربية عصبه وعموده الفقري وسواده الأعظم من الحاضرين.
ولكن متى بدأت فكرة الرباط وكيف جاءت؟، ذكر الباحثان نوار ثابت وكمال الجعبري تناولا في دراسة تأريخية توثيقية لحالة النضال المقدسي في الدفاع عن الأقصى وفقا لروايات مرابطات أن الرباط في الأقصى بدأ فكرة عام 1967م، بعد حرب النكسة، وأطلق ما عرف بالرباط الأسبوعي لمنع تهويد المسجد من الجمعيات الاستيطانية، وتكون في الأساس من نساء مقدسيات وفلسطينيات من الداخل المحتل، وكانت مؤسسة الأقصى لحماية التراث ترعى هذا النموذج من الحماية المدنية للأقصى والمقدرات التي بداخله، بينما يمكن توثيق الرباط في الأقصى منذ أول ثورة اندلعت لحماية الأقصى ومنع سيطرة جماعات صهيونية عليه فكانت ثورة البراق والتي عدت أكبر ثورة تاريخية للدفاع عن الأقصى استشهد فيها عشرات الفلسطينيين وقتل فيها 133 يهوديا وفق الروايات التاريخية، كانت ثورة البراق فكرة شيطانية من تخطيط زعيم الصهيونية التصحيحية وذكر المؤرخ الباحث الفلسطيني د .سامي أبو جلهوم في دراسته البحثية لنيل درجة الماجستير في التاريخ والتي وثقت تاريخ الحركة الصهيونية التصحيحية ذكر بأن مجموعة بيتار الشبابية نفذت عمليات استفزازية لوضع اليد على حائط البراق، بزعم قدسيته بالنسبة لليهود ومحاولة توظيف الدين في الأمر، وكانت هدف الخطة ممارسة سياسة الضغط على حكومة الاحتلال البريطاني لتمكين المنظمات الصهيونية من احتلال الأرض وتسهيل الهجرة والتمليك، وقد سعى جابوتنسكي للحصول على ذلك فيما بعد عندما التقى لجنة خاصة بمناقشة أوضاع التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وعقدت في لندن وكان من شروطها:
- الاعتراف بأن الحائط والساحة المجاورة له هو ملك أبدي لليهود.
- تجديد بريطانيا التزاماتها تجاه وعد بلفور، وإقامة دولة يهودية على جانبي نهر الأردن.
ومن هنا نبعت فكرة الرباط التي عدت جزءا مهما في برنامج المقاومة والاشتباك الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني ومخططاته، وهي حالة دفاع أولى مساندة لكل عمل مقاوم يجهض المساعي الصهيونية في فرض التهويد والطرد للفلسطينيين، ولنا أن نتخيل لو لم يكن هناك رباط منذ عام 1929م، وبعدها من احداث يوم حريق جزء من المصلى القبلي للأقصى عام 1969م، و انتفاضة النفق عام 1996م، والتصدي الأشهر في الألفية الثانية لاقتحام آرائيل شارون عام 2000م، ثم عمليات كشف الحفريات تحت الأقصى، ومرورا بأهم معركة معاصرة البوابات الالكترونية والكاميرات عام 2017م، ثم معركة الرباط على باب الرحمة وحطة وباب المغاربة، وأهم محطة نضالية للمرابطين في الأقصى التصدي لمسيرة الأعلام عام 2021م، ومعركة سيف القدس التي كانت فاصلا للأحداث وفرضت دماء شهداء غزة وصواريخ المقاومة وجرحى الأقصى والمصابين من أحداث حي الشيخ جراح ومواجهات الضفة والداخل المحتل في مدينة اللد وبئر السبع ومناطق الجليل فرضن جميعها معادلة الوطن الواحد وربط الساحات، فأنتجن صورة نصرا واضحة هذا العام دون الحاجة لطلقة واحدة حيث أفشل المرابطون ذبح القرابين ومسيرة الأعلام ومحاولات الدخول زمانيا ومكانيا، وما زالت المعركة مستمرة والمرابطون على الجبل و في ثكناتهم داخل مسجدهم، إن ظاهرة الرباط فعل مهم في طريق معركة الخلاص من الاحتلال وفي ضوء ما تقدم يجب التأكيد على معاني مهمة في سياق معركة الدفاع عن الأقصى والقدس وقطع الطريق على مخططات جماعات الاستيطان في السيطرة والاستيلاء على الأرض الفلسطينية في القدس والضفة المحتلة، ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه في دلالته المهمة:
- أن الرباط في رحاب المسجد الأقصى هو خط دفاع أول عن الأمن القومي الفلسطيني والعربي والإسلامي، ودفاعا عن الفلسطينيين المسيحيين الذين أعاق الاحتلال وصولهم إلى كنيسة القيامة.
- يجب أن تتعدى فكرة الرباط الحضور الموسمي المرتبط بشهر رمضان المبارك، وما يتخلله من محاولات صهيونية تحت ستار الطقوس والأعياد، ولكن يجب أن تتطور هذا الحالة وأن يتعاظم هذا الجهد ليصبح عملا رسميا يوميا يتناوب عليه الفلسطينيون في القدس والداخل المحتل والضفة الغربية.
- عمل المرابطين لا يقتصر على الأقصى وحمايته فقط بل يتعداه معنويا حيث يعد أولى مراحل التحرر من الاحتلال فثبات المرابطين واستمرار حضورهم وتوزيع جهدهم على أيام السنة وليكن أسبوعيا مثلا من شأنه أن يبقي الساحات مشتعلة والأوضاع ساخنة وهو ما يخشاه الاحتلال، ونحن شعب محتل يجب أن نندفع بكل قوتنا إلى كل ما يسبب قلقا وخشية وذعرا للاحتلال.
خلاصة القول: يجب أن يتمسك كل مرابط في حقه بالمسجد الأقصى وحمايته والدفاع عنه وأن حضوره تكليف رسمي من الشعب وهو حلقة من حلقات المقاومة الشعبية المدنية الهادفة لتعاظم الجهود وصولا لهبة الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي وكل أقطار المعمورة لتلفظ هذا الاحتلال الذي يجثم على الأرض الفلسطينية عنوة وظلما وقهرا للبشر وتدميرا للحجر والشجر.