نحن النمل نعيش في مجتمعات كل فرد فيها له وظيفة محددة عليه أن يؤديها على أكمل وجه لنستطيع الاستمرار في الحياة. كثير من البشر يرون في النمل مخلوقات هشة يسحقونها بسهولة، دون أن يعلموا عجائب قدرة الله فينا برغم صغر حجمنا وضعف قوتنا الجسدية.
سورة كاملة في القرآن الكريم سماها رب العزة باسمنا "سورة النمل"، ليُذكر البشر بعظيم خلقه حتى في أضعف المخلوقات.
نحن النمل نتحدث فيما بيننا بطريقة خاصة؛ مادة كيماوية تفرزها النملة من جسمها، رسالة مشفَّرة يقرؤها بقية النمل، يعرف بها جنسية النملة، ووظيفتها، وماذا تريد بالضبط.. فمثلًا إذا دخلت نملة من قبيلة إلى قرية قبيلة أخرى هاجمتها الحارسات وطردنها، وعرفن أنها عدو؟
وأي نملة من القبيلة الواحدة تُطلق رسالة ما، فإن كل فرد يتسلم الرسالة من تلك القبيلة يستجيب لها، فإذا أطلقت نملة رسالة كيماوية عن وجود طعام في مكان ما، سارع الأفراد المسؤولون عن جمع الطعام إلى المكان المحدد لإحضار الطعام للقبيلة، وعادة ما تترك النملة آثارًا من مادة كيماوية يفرزها جسدها على الأشجار والصخور.. لتستدل على الطريق وليستطيع بقية الأفراد العثور على الطعام بسهولة أو تجنب الأخطار إن كان هناك خطر.
ملكة النمل هي من تضع البيوض في قرية النمل، وهذه وظيفتها فقط، وهناك مجموعة من النمل تقوم بالعناية بالبيوض حتى تفقس، ومجموعة أخرى تعتني باليرقات حتى تصبح نملة ناضجة لها وظيفة محددة.. وهكذا.
بما أنكم تتعرفون إلى مجتمع النمل، لا بد لي أن أُخبركم أن لدينا أبقارًا نعتني بها ونحلبها لتوفر لنا الطعام.. أراكم تستغربون.. أليس كذلك؟
أبقارنا من حشرات المنِّ التي تعيش على النباتات. تُحضر النملات المسؤولات عن مزارع الأبقار بيوض المنِّ، وتعتني بالبيوض حتى تفقس، وبما أن قرى النمل عادة ما تكون تحت الأرض ولا يدخلها الضوء، فإن يرقات المن تصبح عمياء بسبب الظلام الدامس قبل أن تنضج، وعندما تنضج، نُخرجها إلى النباتات في قطعان لترعى كل يوم، وفي المساء نعيدها إلى القرية، ونقوم بتدليك نهاية جسدها بقرون الاستشعار الخاصة بنا لتُخرج لنا كل حشرة كمية من سائل حلو يتغذى النمل عليه.
أطلت عليكم ونسيت أن أُحدثكم بحكاية النملة ونبي الله سليمان.. بينما كان سليمان يتقدم جيشه من جميع المخلوقات من طير وحيوان وجن وإنسان.. ويسير بهذا الجيش العظيم مقتربًا من وادي تكثر فيه قرى النمل ومستعمراته، شاهدت نملة الجيش القادم من بعيد، والذي حتمًا سيمر من الوادي لسهولة الطريق فيه، وكان الوقت آنذاك نهارًا.. فأرسلت إشارات تحذيرية على عجل نقلتها كل نملة لغيرها من النمل.. كانت الرسالة تقول: يا أيها النمل، ادخلوا مساكنكم، سليمان وجنوده قريبون من الوادي، وسيمرُّون من هنا، وأخشى أن يسحقوكم خلال مرورهم دون أن ينتبهوا.. فعاجلوا إلى الاختباء.
وكان نبي الله سليمان يفهم لغة الحيوان والحشرات والطير وجميع المخلوقات، ففهم ما تقول.. فضحك ضحكة خفيفة وحمد الله أنه أنعم عليه بهذه النعمة.