وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المعروفة اختصارا (بالأونروا) تقف اليوم بعد سبعين عاما من إنشائها بقرار دولي على حافة الانهيار والإلغاء. القرار الدولي رقم (١٩٤) الذي أنشأ (الأونروا) ربط وجودها ومهامها الإغاثية والتشغيلية بالعودة، أي هي تبقى عاملة وقائمة بمهامها الإنسانية كما حددتها الأمم المتحدة حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم. والشيء المهم أيضا أن (الأونروا) نشأت بقرار خاص، وبمهام خاصة، تتعلق بالفلسطينيين فقط، وهذا ما يميزها عن بقية المؤسسات والوكالات والهيئات الدولية التي تعمل في الإطار الدولي الإنساني العام بعيدا عن الجغرافيا والخصوص الذي أنشأ الأونروا.
الأونروا قامت بمهامها في الفترة التي سبقت اتفاقية أوسلو بشكل جيد في ضوء التفويض الدولي، ولكنها لم تتمكن من مساعدة اللاجئين على العودة، وظلت واقفة عند الإغاثة والتشغيل، والتي تشمل الرعاية الصحية الأولية، والتعليم في المرحلة الأساسية الأولى والثانية.
بعيد اتفاق أوسلو، ومشروع حلّ الدولتين، والتطبيع العربي، بدأت دولة الاحتلال والصهيونية الدولية بتنفيذ مخطط شطب تدريجي للأونروا، وذلك من خلال إجراءات مالية، وأخرى سياسية.
ولعل أهم الإجراءات المالية والسياسية صدرت عن الإدارة الأميركية في عهد ترامب بالتوافق مع (إسرائيل) بوقف المساعدات الأميركية السنوية لها، وقد لحقت بعض دول أوروبا والدول المانحة بالمخطط الأميركي الإسرائيلي، هذا ولم تحاول الدول العربية والإسلامية مواجهة هذا المخطط بمعالجة عربية إسلامية لعجز موازنة الأونروا ومواجهة مخطط الشطب والتصفية المتدرج.
والمؤسف أيضا أن المفوض العام للأونروا، ومساعديه، دخلوا ذاتيا على خط الشراكة الخفي في تصفية الأونروا وتقليص خدماتها تدريجيا، ولكن هذه الشراكة الذاتية المشبوهة تخفي نفسها تحت مزاعم معالجة أزمة الموازنة.
الإجراءات الذاتية للأونروا اصطدمت بموقف قوي للاجئين الفلسطينيين، ولممثليهم في مؤسسات الوكالة في أماكن وجود الأونروا الستة، الأمر الذي خفف من حدة التقليصات، وعرقل الإجراءات المتدرجة باتجاه الشطب والتصفية.
ولكن يبدو أن أخطر إجراءات الأونروا الذاتية للتصفية المتدرجة الخفية بعيدا عن الضجيج، وعلى قاعدة (مزج السم بالعسل) لتحقيق الخداع، هو المقترح الأخير لمفوض عام الأونروا (فيليب لازاريني) الذي يسعى فيه لنقل بعض صلاحيات ومهام الأونروا لمؤسسات دولية عامة لا تحمل خصوصية الأونروا، التي هي مختصة باللاجئين الفلسطينيين، تحت زعم مصطلح (الشراكة) مع الآخرين لضمان استمرار الخدمات.
هذا الزعم: شرك، وخداع، وسم في عسل، وهو جزء من مؤامرة التصفية التدريجية للأونروا، وهو مدعوم من دولة الاحتلال والصهيونية، لأنه بنقل المهام لمؤسسات شريكة يفقد الفلسطيني كل الخصوصية الموجودة في قرار نشأة الأونروا ومهامها، والارتباط الإنساني والسياسي، الذي من أجله كانت الأونروا، وتفقد قضية اللاجئين الفلسطينيين ما يعرف بحق العودة إلى البيت، وبشطب هذا الارتباط، وحق العودة، يصبح اللاجئ الفلسطيني كاللاجئ من مناطق الحروب الأخرى في العالم، ويصبح التوطين هو الحل البديل.
إن خطورة مشروع (الشراكة) الذي يطرحه (لازاريني) المفوض العام، تقتضي عقد مؤتمر عام تشارك في المناطق الست التي يوجد فيها اللاجئون، ولا بأس أن تدعو له غزة وتقود أعماله للخروج بموقف موحد يتناسب مع خطورة المقترح، ولا أظن أن تصريحا منفصلا لكل فصيل فلسطيني يحقق مفهوم الرفض لمشروع لازاريني، لأن الفصائل تعد في رؤية الأونروا جهات سياسية، ومن ثمة يجب أن يصدر موقف شعبي موحد يصدر عن اللاجئين الفلسطينيين وممثليهم، ثم بعد ذلك يكون موقف الفصائل داعما ومكملا.
إن معالجة أخطار المشروع قبل البدء في الخطوات العملية للشراكة الهادمة للأونروا، هو أجدى في المعالجة، وأسهل على مفوض العام في إحداث التراجع المطلوب، ولا بأس أن يتعرض المؤتمر لحلول ممكنة للأزمة المالية في الأونروا، حيث تمثل الأزمة الغطاء الذي بسببه كان مشروع الشراكة.