فلسطين أون لاين

تحليل استهداف العيون.. الاحتلال يمارس القتل البطيء بحق المقدسيين

...
حارس الأقصى بدر حامد بدر
غزة– القدس المحتلة/ يحيى اليعقوبي:

على باب المصلى "المرواني" في المسجد الأقصى المبارك، وبينما كانت المواجهات بين المرابطين وقوات الاحتلال الإسرائيلي تتصاعد، وقف حارسا الأقصى حسام سدر وبدر بدر يؤديان واجبهما في الحراسة؛ يراقبان اعتداءات شرطة الاحتلال المعززة بقواتٍ خاصة على المرابطين والمصلين.

للحظة رأى حسام زميله بدر يسقط على الأرض غارقًا في دمائه بعد أن أطلق أحد الجنود الرصاص على عينيه من مسافةٍ قريبة، على الفور هرع لإسعاف زميله ومحاولة إيقاف نزيف الدم الذي تدفق من الجرح بغزارة، فكان هو الآخر تحت مجهر ضابط جيش الاحتلال الذي أمر الجندي بإطلاق الرصاص عليه من مسافة لا تتجاوز مترين، فجاءت الرصاصة أعلى منطقة الحاجب رأى بعدها الدنيا مسودة ومعتمة.

بقايا تفاصيل ما حدث معه يوم الجمعة الماضية تطفو على حديث سدر مع صحيفة "فلسطين" قائلاً: "كانت المواجهات هذه المرة شرسة، ومختلفة عن جميع المرات السابقة، لم أرَ حقدًا عند جنود وجيش الاحتلال وقواته الخاصة كما رأيته في ذلك اليوم".

حراس تحت المجهر

وثقت عينا سدر كما وثقت كاميرا هاتفه، قيام جنود جيش الاحتلال ببدء الاعتداء وإطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز والاعتداء على المصلين بهمجية كبيرة، يقول "كنت أرتدي ملابسي وأحمل جهاز اتصال لا سلكي، وأمارس وظيفتي كحارس للمسجد الأقصى، والضباط وجنود جيش الاحتلال الذين أطلقوا الرصاص علينا يعرفوننا جيدًا، لكننا تعرضنا للاستهداف المباشر والمتعمد لأني سمعت الضابط وهو يأمر الجندي بإطلاق الرصاص علي، وأصيب معنا حارس ثالث يدعى فايز عطون".

أحدثت إصابة الحارس سدر كسرًا في جمجمة الرأس وكسرًا بالأنف، وأجري له عملية رتق الجروح (غرز) ولا يزال مصير بصره مجهولاً: "حاليًا لا أستطيع الرؤيا ولدي نزيف داخلي في العين، أشعر بالألم بالرأس وبالدوار بشكل مستمر لكن الأطباء طمأنوني أنني لن أفقد النظر بشكل نهائي، وسيقيمون حالاتي من خلال إجراء فحص بالأشعة المقطعية (CT)".

ويؤكد مدير مستشفى المقاصد بالقدس عدنان فرهود، أن المستشفى وصله 82 إصابة، منها 22 إصابة أدخلت إلى الأقسام المحتلة وتسع إصابات أدخلت غرف العمليات المكثفة وتسع إصابات أخرى أدخلت غرف العمليات الجراحية كان من بينها خمس إصابات بالعين أو الوجه، حالة واحدة جرى فيها جرى استئصال العين تعود للشاب أحمد التميمي.

ويقول فرهود لصحيفة "فلسطين": إن عدد الإصابات التي استقبلتها المستشفى يعتبر كبيرًا، وكان التركيز فيها على الأجزاء العلوية من الجسم بعضها تعرض إصابة مباشرة في الوجه بالضرب بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط.

أحمد فقد عينه 

أصواتُ رصاص كثيف، وأصوات قنابل صوتية وغاز، جنود إسرائيليون مدججون بالسلاح يطلقون الرصاص المعدني المغلف بالمطاط داخل المصلى القبلي بالمسجد الأقصى ويحولونه لـ"ساحة حرب"، ما إن انتهى الإمام من صلاة فجر الجمعة، في لحظةٍ بدأ الشاب أحمد التميمي قراءة سورة الكهف، معتقدًا أن الجنود سيوقفون اعتداءاتهم ويتركون المصلين يؤدون عبادتهم دون تنغيص، لكن الاعتداء بقي متواصلاً.

لمح أحمد مصليًا كفيفًا مختنقًا من دخان القنابل التي يطلقها الجنود بكثرة، فذهب إليه يحاول مساعدته وتأمينه بعيدًا عن الرصاص، وبينما هو يحمله ويتنقل به داخل المصلى القبلي لمكان آمن، باغته جندي بإطلاق رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط على عينه لم يجد نفسه إلا في مستشفى المقاصد بعدما غاب عن الوعي.

أحدثت الرصاصة الإسرائيلية كسورًا في الخد وأنف وفكي وجهه، وكذلك كسورا في الضروس وكسر في محيط العين، اضطر الأطباء أمام خطورة حالته لاستئصال عينه اليسرى بعدما تعرضت شبكية العين للإصابة، معها فقد النظر.

تخرج كلماته المتألمة بصعوبة وهو يروي التفاصيل لصحيفة "فلسطين": "دخل الجنود علينا وحولوا المسجد لساحة حرب، الجندي الذي أطلق الرصاص المغلف بالمطاط علي من مسافة قريبة شاهدني عندما كنت أحمل الكفيف، فأطلق الرصاصة بحقدٍ وبربرية من على بعد عدة أمتار (..) دخلوا جنود الاحتلال إلى داخل المصلى واعتدوا علينا وانتهكوا حرمة المسجد".

منذ أسبوع ترافقه أوجاع شديدة حتى في نومه، لكن ليس الوجع الجسماني هو ما يسيطر على أفكار الشاب الذي يعمل معالجًا نفسيًا قائلاً بصوتٍ مقهور "بدأت أفكر هل سيتقبل الناس أن يكون معالجهم بعين واحدة، حتى طفلي الصغير (عامان) لم يتقبلني ويخشى الاقتراب مني، أشعر أن حياتي توقفت الآن، وتغيرت بسبب جندي حاقد".

بقيت عباءة بيضاء تغير لونها للون الأحمر كان يرتديها أحمد وبللت بدمائه شاهدة على جريمة دموية ارتكبها جنود الاحتلال بحق الشاب أحمد فقد على إثرها النظر بعينه، ولا يفكر حاليًا بتقديم دعوى قضائية ضد جنود الاحتلال الذين يحصلون على الضوء الأخضر من حكومتهم لارتكاب الجرائم، لكنه يؤكد، على ضرورة أن يوضع ملف فقأ عيون المقدسين على الطاولة لردع جنود الاحتلال.

هذا النهج الذي يستخدمه الاحتلال لم يكن جديدًا، فيشير الباحث في شؤون القدس زياد الحسن في وحدة البحث بمؤسسة القدس الدولية أن الاحتلال ومنذ بدء محاولة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى عام 2015، بدأ باستخدام سياسة استهداف منطقة الرأس بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن المؤسسة سجلت 22 إصابة بالعين أو بكسر الجمجمة أو الفك منذ ذلك الوقت، وسجلت ثماني إصابات خلال المواجهات الأخيرة.

وقال الحسن لصحيفة "فلسطين": إن الاحتلال يدرك معنى ارتقاء شهداء في المسجد الأقصى الذي قد يكون شرارة لاندلاع مواجهة واسعة لذلك يتجنبه، ويحرص في المقابل على إيقاع أكبر قدر من الضرر دون الموت، ولتحقيق ذلك يوجه الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز نحو رؤوس المصلين والمرابطين مباشرة ومن خلال مسافات قريبة.