مع بداية إعلان الاحتلال عزم مستوطنيه ذبح “القرابين” بساحة المسجد الأقصى المبارك، انطلقت حركة حماس في تهيئة الشارع الفلسطيني وتحريكه للتصدي لهذا المخطط التلمودي الخطير، تزامن مع الحراك الإعلامي جهود دبلوماسية باتصال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية بالعديد من المسؤولين العرب وقادة العالم لوضعهم أمام مسؤولياتهم تجاه القدس.
الحديث عن حملة تحريض تقودها حماس، بدأ من رأس هرم الدولة العبرية وهو بمنزلة إقرار على نجاح آلة حماس الإعلامية، إذ ادّعى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، أنّ دولة الاحتلال تتعرّض لما وصفه بـ”حملة تحريضيّة شرسة” تقودها حركة “حماس، وذلك في ظلّ الانتهاكات الإسرائيلية المُتصاعدة بحقّ المسجد الأقصى والقدس المحتلة.
لم تتوقّف الأمور هناك، فقد اتهمت صحيفة “مكور ريشون” العبرية وسائل إعلام فلسطينية “بتعمُّد تزييف الحقائق والتحريض على الاحتلال حول الأحداث الأخيرة في الأقصى”.
واستدلّت الصحيفة بعنوان عريض (مانشيت) في صحيفة فلسطين الذي جاء على النحو الآتي: “الاحتلال يُحوّل باحات الأقصى لساحة حرب”.
المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال أوفير جندلمان هو الآخر قال، إنّ “المزاعم التي ادّعت بأنّ هناك يهودًا ينوُون ذبح القرابين في الحرم الشريف كاذبة تمامًا”، زاعمًا أنّ تنظيمات فلسطينية وجهات أخرى روّجت ذلك “بغية التحريض وتأجيج الخواطر وارتكاب عمليات”.
مرحلة مختلفة
أن يصدر التصريح عن رأس الهرم في حكومة الاحتلال، دليل أنّ الحملة الإعلامية التي تقودها حماس أثّرت على سمعة الاحتلال، وذلك لأنّ الاحتلال عندما بدأ الحديث عن “ذبح القرابين” بالأقصى وقبل أن يبدأ الذبح، استطاعت حماس أن تُجنّد الإعلام الفلسطيني في تحريك الشارع ضد إجراءات المستوطنين في المسجد الأقصى. وفق المختص في الشأن الإسرائيلي باسم أبو عطايا.
يقول أبو عطايا لصحيفة “فلسطين”، إنّ حماس استطاعت تحريك الشارع بالضفة والداخل المحتل وقطاع غزة، بعد ذلك انطلق التأثير للمنطقة المحيطة، وباتت المواجهات في القدس بالرغم من وجود حرب “أوكرانية-روسية” هي حديث وسائل الإعلام الدولية والخبر الرئيس فيه.
ويُعتقد أنّ تأثير الحملة الإعلامية التي قادتها حماس كانت كبيرة وهذا ما يُشكّل ضغطًا على حكومة الاحتلال ممّا دفع “بينيت” بالخروج بحملة إعلامية مضادة.
إلى جانب الماكنة الإعلامية، نشطت حركة حماس دبلوماسيًّا، فقد أجرى رئيس مكتبها السياسي العديد من الاتصالات وكلّها تمحورت حول المسجد الأقصى والقدس، وكان من أبرزها، تلقّيه اتصالًا من مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، وهاتف مسؤولين بالمخابرات المصرية، ووزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ووزير الخارجية العُماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيد.
الجهود الدبلوماسية لحماس، أيضًا وصلت إلى القارة السمراء، فقد بحث هنية مع وزير خارجية نيجيريا “جيفري أونيما” التطورات والأحداث الجارية في القدس والمسجد الأقصى منذ أيام، ومحاولات المستوطنين إدخال وذبح القرابين داخل المسجد، وتطورات وجود الاحتلال بصفة مراقب في الاتحاد الإفريقي.
ويلفت أبو عطايا، أنّ حركة حماس تجاوزت العزلة والانغلاق الذي كان سابقًا، واليوم تستطيع الحديث مع كل الدول ووزراء الخارجية، كون الجميع يعلم أهمية الحركة وقوتها وتأثيرها في الساحة الفلسطينية، وتأثيرها في الاحتلال والشارع العربي لما تقوم به في رفع إيقاع المواجهة مع الاحتلال.
عندما تصدر التصريحات من نفتالي بينيت، فهذا يقود المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، إلى أنّ الاحتلال يريد حصر الصراع مع الفلسطينيين كأنَّه مع حماس، وأن تتحمل حماس مسؤولية كلّ الأحداث، كنوع من استعطاف الدول التي تعدّ حماس “إرهابية”.
وقال أبو عواد لصحيفة “فلسطين”، إنّ الاحتلال يُدرك أنّ حماس هي العمود الفقري للمقاومة، مُشيرًا إلى أنّ بينيت يريد السير على خطى رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، الذي كان يُروّج لنفسه بأنه “القوي مقابل حماس”.
تعبئة وطنية
وفي وقتٍ تتزامن فيه جهود حماس الإعلامية والدبلوماسية، فإنّ الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، يُشدّد على ضرورة إعطاء الحالة الكفاحيّة المزيد من الزّخم واستثمارها في التعبئة الوطنية لرفع معنوية الجمهور الفلسطيني.
وقال عرابي لصحيفة “فلسطين”، إنّ الحملة الإعلامية ضرورية كي لا تمرّ هذه الحوادث والهبّات دون أن تُحقّق أهدافها على مستوى التعبئة وأن تبقى الجماهير مُتحفّزة تمتلك وعيًا تجاه الصراع مع الاحتلال، لأن المعركة مع الاحتلال لا تنتهي بالضربة القاضية، وهي معركة تحتاجُ نفسًا طويلًا.
وأكد أنه من الضروري أن تحشد الحركة من خلال علاقاتها واتصالاتها، دعمًا دبلوماسيًّا وإعلاميًّا وقانونيًّا للشعب الفلسطيني لاسيّما وضع الدول التي لها ارتباط بالمسجد الأقصى أمام مسؤوليّاتها، وكبح عجلة التطبيع وأن تُكرّس حماس نفسها إضافة لبقية الفصائل عنوانًا رئيسيًّا في الساحة الفلسطينية تمتلك مفاتيح التصعيد والتهدئة والمواجهة، مُعتبرًا، ذلك مكسبًا سياسيًّا يجب تكريسه مع باقي الفصائل حتى لا يبقى هناك عنوان واحد وهي السلطة بمشروعها المناوئ للمواجهة.
وتابع، أنّ حكومة الاحتلال تشعر بالقلق والارتباك وليست معنيّة بتصاعد الأحداث وتشكو من حملة حماس الإعلامية، وكذلك من المواقف السياسية والدبلوماسية ذات الصلة مثل الأردن.
وبعد فشل الاحتلال في ذبح القرابين، يرى عرابي أنّ الحملة الإعلامية والدعائية تجعل حكومة الاحتلال مرتبكة، وأنّ هذه الحملة استطاعت حشد قدر من الدعم الإقليمي والدولي لصالح القضية والمسجد الأقصى، وهذا يؤثّر على الحكومة الإسرائيلية من أجل كبح جماح المستوطنين، وتجعل الجماهير الفلسطينية مُتأهّبة.

