إذا أصيبت المرأة بمرض أو أنفلونزا يمكنها الصيام إذا استطاعت ذلك، فلماذا لا تكمل صيامها خلال فترة الحيض أو النفاس؟ ولماذا أسقطت الشريعة عنها الصلاة وطالبتها بقضاء الصيام عن الأيام التي انقطعت فيها عن عبادة الصوم؟ وما الحكمة من ذلك؟
يجيب الدكتور ماهر السوسي، أستاذ الفقه المقارن عن تلك الأسئلة، بالتأكيد أولًا على حرمة صيام المرأة الحائض، بنص مصادر التشريع الإسلامي، "فإن صامت أثِمت بصومها ووجب عليها القضاء بعد رمضان".
وإذ يؤكد السوسي في حديثه لـ"فلسطين"، بطلان القول القائل إنه ليس في القرآن نص صريح يمنع الحائض من الصوم، ويشير إلى أن القرآن هو المصدر الأول للتشريع، والسنة المصدر الثاني له، وهي المفسِّرة للقرآن، والله تعالى يقول: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا".
"أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ"
ويقول: "منعُ المرأة الحائض والنفساء من الصيام من الأحكام المستقرة المعلومة في الأمة، لهذا كان مجرد طرح السؤال في العهد النبوي يوجب اتهام السائل، كما في حديث معاذة بنت عبد الله العدويَّة قالت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ (هل أنت من الخوارج؟!) قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ". متفق عليه.
وينقل السوسي ما ورد عن ابن حجر في معنى الحرورية: "يقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري، لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، ومذهبهم الأخذ بما دل عليه القرآن وردّ ما زاد عليه من الحديث".
ويشدد على انعقاد الإجماع القولي والعملي على تحريم صوم الحائض من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، والإجماع الصحيح المعتبر ثالث الأدلة المتفق عليها بين العلماء.
ويضيف: "قال النووي في شرح المهذب (جمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء، وعلى أنه لا يصح صومها، ويستدل من السنة على تحريم صومها بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك نقصان دينها).
إكمال عدة الصوم
أما استدلال بعض العلماء بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" رواه مسلم، ففيه نظر؛ وذلك لمشقة قضاء الصلاة لتكررها، ولتحصيل مصلحة الصوم وفائدته بإكمال عدة الصوم ثلاثين يومًا.
ويردف بالقول: "الصلاة تتكرر يوميًا بخلاف الصوم، فهو شهر واحد في العام، فلو سقط عنها فعله بالحيض لم يكن لها سبيل إلى تدارك نظيره، وفاتت عليها مصلحته، فوجب عليها أن تصوم شهرًا في طهرها؛ لتحصل مصلحة الصوم التي هي من تمام رحمة الله بعبده، وإحسانه إليه بشرعه".
ويلفت السوسي إلى ما قيل بأن سبب منع الحائض من الصوم هو رعاية حالها وضعفها وعدم قدرتها على الصوم، فلا يصلح أن يكون سببًا ولا علة يُبنى عليها الحكم.
كما أن الصوم لا يشترط له الطهارة فيصح الصوم من الجنب، والصحيح أن عدم صوم الحائض من الأحكام التعبدية كما قال الإمام الشافعي: "وكون الصوم لا يصح منها لا يُدرك معناه؛ لأن الطهارة ليست مشروطةً فيه".
وتابع السوسي: "القول بصحة صيام الحائض لا يَصدر عن فقيهٍ أو عالم؛ لأن من يصحح صيام الحائض يتعين عليه أن يجري عليها أحكام الطاهرات كلها، فيُصحِّح صلاتها وعلاقتها الخاصة بزوجها، فهل يقول بذلك أحد؟!".
كما أن القول بصيام الحائض يُفضي إلى عدم انضباط الحكم ووقوع الفوضى فيه؛ لأنه سيترك أمر الصوم إلى قرار كل امرأة بنفسها حسب قدرتها على الصوم أثناء الحيض أو عجزها، أو قدرتها في بعض الأيام وعجزها في غيرها.
ويشدد على أن العبد المؤمن مطالب بالامتثال، سواء علم الحكمة أو جهلها، كما قال سبحانه: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً".