إذا كانت دول العرب قلقة من جراء ما يحدث من انتهاكات في المسجد الأقصى، وإذا كانت أميركا تشعر بقلق مماثل، وإذا كانت دول الاتحاد الأوربي قلقة، وإذا كانت الأمم المتحدة قلقة، وإذا كان المواطن الفلسطيني قلقًا، وإذا كان المحتل لأرضنا قلقًا، فلماذا لا يجتمع القلقون على حلّ جذري لمضمون القلق الذي يتعلق بالمسجد الأقصى.
المسجد الأقصى تاريخيًّا باعتراف العالم والشرائع السماوية هو قبلة المسلمين الأولى، وهو ثالث الحرمين الشريفين بعد الحرم المكي، والمسجد النبوي، ولا يعارض هذه الحقيقة التاريخية، والشرعية غير حفنة من المتطرفين اليهود، القادمين لفلسطين المحتلة من دول بعيدة.
هذه الجماعات المتطرفة لا تودّ التعرف على الحقيقة، بل هي تغلق سمعها وبصرها وعقلها، وتمارس العدوان على حقوق المسلمين باسم الدين اليهودي، وباسم أسطورة الهيكل، الذي اختلقها من حرفوا الشريعة، وزيفوا التاريخ، وزعموا أنهم على علم بالآثار، ولو فقهوا أو عدلوا لما اقتربوا من المسجد الأقصى البتة.
القلقون جلهم شريك لهؤلاء الذين لا يفقهون، ولا ينصفون، ولو أنصفوا لاجتمعوا على حل جذري للمسألة، كم اجتمعوا على استنكار الغزو الروسي لأوكرانيا، وأوقعوا على روسيا عقوبات واسعة النطاق لردع عدوانها، مع أن لروسيا تاريخيًّا وجغرافيًّا وأمنيًّا ما يبرر بعض تصرفاتها، فهي لا تغزو أوكرانيا، ولكن تواجه أميركا والناتو كما تقول موسكو.
القلقون عاقبوا روسيا، ولم يعاقبوا دولة الاحتلال، ولم يعاقبوا المتطرفين، لأنهم لا يعرفون للعدل طريقا مستويا، فيكيلون بأكثر من مكيال في السياسة الدولية. مع كل يوم قلق هناك اقتحام للمسجد الأقصى، ومع كل اقتحام هناك إصابات في المصلين واعتقالات، وكلما تفاقمت الأوضاع في الميدان، وقاربت الانفجار، زاد القلقون من ضغوطهم على الفلسطيني في غزة وفي الضفة، ونشط خدم الاحتلال في تثبيط المصلين وتهوين الانتهاكات، وتخدير الرأي العام بكلمات الشجب والاستنكار، التي لا تفيد المسجد والمصلين شيئًا.
إن للفلسطيني في الأرض المباركة مشكلتين في هذه القضية موضوع المقال: الأولى مشكلة مع الاحتلال والمتطرفين الذين يتشاركون في إيذاء المسجد والمصلين والمسلمين. والثانية مشكلة معقدة أيضًا مع مجموعة الدول القلقة، التي لا تترجم قلقها لأعمال رادعة للمتطرفين.
وأمام هذا العجز العالمي لدول القلق البارد، الذي يتكرر في التصريحات لامتصاص غضب الفلسطيني المحتل، فإن من حق الفلسطيني في غزة والضفة والخط الأخضر أن يتوحد تحت إجراءات عملية تمنع العدوان على الأقصى وعلى حقوق المسلمين، وآخر ما يجب أن يخافه الفلسطيني هو التهديد بالحرب، أو بالعقوبات، لأن الفلسطيني لا يستطيع الهرب من القدر الذي جعله مرابطًا في الأرض المباركة، ومواجهة التحديات برجولة خير من الهروب الذليل.