كان شيخنا سالم يقول: "يترك الذئب ويقص الأثر" تمثيلا منه على فساد التفكير، وسذاجة التصرف. الذيب موجود ومشاهد، فلمَ قصُّ الأثر يا من أعطاه الله العقل. حال هذا المثل ينطبق على الأطراف العربية التي تحاول التدخل في قضية التوترات الأخيرة في المسجد الأقصى. كل دول العالم عدا (إسرائيل) يرون أن الواجب العالمي والقانوني يوجب على الدول فرض عقوبات على دولة (إسرائيل)، التي تنتهك إسلامية المسجد الأقصى وقدسيته، من خلال اقتحامات الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة، ومن خلال محاولات ذبح القرابين في باحات المسجد، وقد شاهد العالم صور تنكيل الجنود بالمصلين من النساء والشيوخ واعتقال الشباب، (٤٥٠) منهم يوم الجمعة فقط.
الأطراف التي تتدخل تحت عنوان التهدئة، ومنع تدهور الأوضاع لحرب واسعة تكون غزة طرفا فيها، هذه الأطراف المحترمة ترى الذئب بأم عينيها ولكنها للأسف تترك يقين العين، وتقص أثر الذئب ليذهب بعضهم لتحميل الفلسطينيين جزءا من المسئولية عن تدهور الأوضاع في المسجد.
إن قصّ الأثر مع وجود الذئب فساد في العقل والفكر، وتحميل الفلسطيني المسئولية كلها أو بعضها هو فساد في منهجية التدخل والسياسة، فالفلسطيني لم يذهب لكنيس يهودي بالإساءة، ولكن الإسرائيلي المتعصب هو الذي جاء للأقصى بمجموعات مسكونة بالتطرف الديني، والحقد والكراهية للإسلام ليعبثوا في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
الفاعل هو جماعة الهيكل المتطرفة، وحكومة بينيت تحمي المتطرفين، ورد الفعل هو للمصلين، وهو رد طبيعي دفعا لشرور قائمة ومحتملة تصل لاقتسام المسجد أو هدم المسجد. إن من يسوي بين الفعل ورد الفعل يكون مخطئا، وصاحب هوى. ولو كان لدول العرب والإسلام فعل منصف للأقصى لوقف الفلسطيني خلف هذه الدول، ولكن المؤسف أن هذه الدول تخلت عن دورها في الدفاع عن الأقصى، فلا لجنة القدس فاعلة، ولا دولة رعاية المقدسات قادرة على تقديم شيء يحفظ قدسية المسجد، ويمنع الأخطار التي تحدق به.
إن ما نشرته وسائل الإعلام الجديد من انتهاكات المحتل والمتطرفين للأقصى هو الجزء الأقل الذي تمكنت كاميرات الجوال من تصويره، وإن الأضرار التي لحقت بقدسية المكان، وبالمصلين في هذا العام فاقت ما حدث في عشر سنوات سابقة، ومع ذلك لا يحمّل قادة عرب حكومة بينيت، والمتطرفين اليهود المسئولية الكاملة، ويبحثون عن حلول بالضغط على الفلسطيني، بأشكال مختلفة.
مرت الأيام الأولى من أعياد الفصح، تحمل العديد من جراحات المسجد والمصلين معا، وبقيت أيامًا أخرى مسكونة بقلق وتحدي، وإن خطأ هنا أو هناك ربما يشعل فتيل حرب واسعة، وإن مرت أيام العيد هذا بما حصل فيها، فالكل على انتظار العام القادم، وهكذا دواليك ما دام قادة العرب على عادتهم في تهديد الضحية بسلخ جلدها، وترك الذئب يفترس الضحية.