في ضوء الإعلام الجديد، وأشرطة الفيديو، يتلاشى الكذب في الإعلام، أو قل يكاد أن يصل إلى حالة التلاشي، وتصبح الصورة أبلغ من الكلام ومن تصريحات المسؤولين. الصور القادمة من ساحات المسجد الأقصى والتي تصور اقتحام عشرات الجنود المدججين بالسلاح والهراوات لا لساحات المسجد فحسب، بل وللمسجد القبلي نفسه. الاقتحامات عنيفة وتستهدف التنكيل والاعتقال، وطرد المصلين من كبار السن إلى خارج المسجد.
لقد أبانت الصورة كيف يضرب شرطي امرأة بهراوته بينما كانت تسير باتجاه مغادرة المسجد، وكل من رأى الصورة سمع صوت المرأة وهي تصرخ وتبكي من شدة الألم. لم تكن المرأة مشاغبة، ولا تهدد حياة الجندي، بل كانت مسالمة، لم تستطع أداء الصلاة فقررت المغادرة، ولكن الشرطي العنيف لم يتركها دون ضربة مؤلمة وهو يجري باتجاه هدف آخر.
وصورة أخرى بثتها وسائل الإعلام الجديد من اقتحام عشرات الجنود المسجد القبلي، وضرب المصلين من الشباب فيه، وطرحهم أرضا، وتكبيل أياديهم من الخلف، واعتقالهم، وفي الصورة أيضا أصوات رصاص، ودخان غاز، وبعثرة لحاجيات المعتكفين.
الصور لا تكذب، فهل ممن ضُربوا من الرجال والنساء كانوا مشاغبين، كما سمحت فضائيات عربية بتسميتهم بهذا الاسم على شاشتها؟ إذا كانت المرأة المسالمة مشاغبة، فهل كان الشرطي الإسرائيلي محقا في ضربها، والتنكيل بها وبغيرها من المصلين؟ هل هذه حرية العبادة؟!
من يدافع عن إسلامية المسجد الأقصى، وعن قدسية المكان وطهارته، لا يصح تسميته بالمشاغب، بل هو المرابط المجاهد الذي ينوب عن الأمة الإسلامية العاجزة عن حماية الأقصى، واستبقائه خالصا للمسلمين بلا تقسيم، وبلا تدنيس.
يبدو أن شرطة الاحتلال وحرس الحدود كانت هذه المرة أكثر جرأة في اقتحام الأقصى، وأكثر جرأة في التنكيل بالمصلين، رجالا ونساء، وليس لهذه الجرأة غير تفسير واحد، يقول إن حكومة الاحتلال تلقت ضوءًا أخضرَ من دول عربية لتفعل ما تفعل، ولو لم يكن ثمة إذن عربي وضوء أخضر لما حدث هذا العنف، الذي نفذ بلا مبالاة.
ويبدو أن الفلسطيني بدأ يشعر بذلك، لذا قرر الفلسطيني أن يعتمد على نفسه في حماية الأقصى، ومواجهة دعوات ذبح القرابين، ومخططات التقسيم، ويبدو أن الفصائل قد أدركت أنه ثمة خذلان عربي وصمت عن تنكيل شرطة الاحتلال، لذا قررت النفير، والتصريح بأنها جاهزة لمعركة (سيف القدس٢) إذا تمادى العدو في عدوانه، وفي الوقت نفسه قرر الفلسطيني تكثيف وجوده في الأقصى بقية أيام شهر رمضان. وبعد انتهاء هذه الموجة الخطيرة يبقى الأقصى في حاجة لحلّ جذري، لأن غياب الحل الجذري يعني تجدد الأحداث بشكل أعنف.