قبيل أذان المغرب بدقائق، تنهمك أمينة أحمد في قلي أصابع "البوراك" في زيت غزير لإعطائها اللون الذهبي الجذاب الذي يفتح شهية الصائم.
أمينة سيدة جزائرية من ولاية البيض في الجنوب الغربي للجزائر، تعشق الطبخ ولا سيما إعداد الوجبات التقليدية التي يشتهر فيها أهل الجنوب كخبز المطلوع، ومربى التمر، وبلا شك "البوراك".
ولا يمكن لأمينة أن تقدم "البوراك" الجزائري دون طبق الشوربة الذي يكون في العادة "الحريرة" وهي أشهر أنواع الشوربات التي يعدها الجزائريون طيلة أيام رمضان كطبق يومي أساسي.
و"البوراك" أو "البريك"، عبارة عن ورقة "ديول" رقيقة يتم تحضيرها بالدقيق الأصفر والطحين والماء ثم تترك لتبرد، لتقوم ربة البيت بحشوها باللحم أو البطاطا أو السمك أو التونة حسب رغبتها، وتشكل رقيقة مثل سيجارة ثم تقلى في الزيت أو توضع داخل الفرن. و"البريك" يشبهه كثيرا حيث تضع كمية من البطاطا المهروسة مع الجبن والزيتون ويوضع صفار بيضة غير طازجة لتغلق الورقة على شكل مربع وتقلى في الزيت.
أطباق ثانية تقليدية
ورغم الاختلاف المسجل بين منطقة وأخرى، لكن جل العائلات تحضر في الأيام الأولى أطباق ثانية تقليدية، كـ"شطيطحة دجاج" وهي دجاج يطبخ في مرق مع الجزر والحمص، "المثوم" وهو لحم مفروم يضاف له ثوم مطحون ويشكل كرات صغيرة ويطبخ في مرق من اللحم مع الحمص، وعند التقديم يزين باللوز المقلي في الزبدة.
ولا تكتمل مائدة رمضان إلا بوجود "اللحم الحلو"، ويتكون من صلصة حلوة معدة بماء وكمية من السكر والقرفة وماء الزهر مع الفواكه الجافة ك"البرقوق" والزبيب والمشمش، ويقابله "شباح السفرة" في محافظة قسنطينة وهو صلصة لحم حلوة كالسابقة يوضع فيها لوز مطحون ومقلي في الزيت.
وفي شهر رمضان تفقد أشهر ماركات المشروبات الغازية قيمتها أمام مشروب تقليدي بسيط يسمونه في الجزائر "الشاربات"، هذا المشروب يتم إعداده في محلات تقليدية قديمة وفي بعض محلات صناعة الحلويات، لكنه يختفي مع نهاية شهر رمضان من كل سنة.
يتهافت الجزائريون في أغلب المدن ساعات قليلة قبل الإفطار على محلات بيع "الشاربات" وهي مشروب بلون أصفر شبيه بعصير الليمون الطبيعي، مصنوع من الماء والسكر وصبغة اصطناعية ونكهة تقليدية يتم إعدادها بطرق تقليدية في بعض المحلات.
تقول أمينة لـ"فلسطين": "أصنع رقائق البوراك من الدقيق والماء والقليل من السمن أو الزيت مع رشة ملح، وتكون العجينة لينة وليست متماسكة، حيث يتم فرد طبقة رقيقة بالزاف (كثيرا) منها باليد على طاجين (مقلاة)، تم تسخينها مسبقا على النار، وتترك حتى تجف ومن ثم يتم نزعها، وتترك لتبرد".
وتضيف: "البعض يصنع العجينة في البيت، وهناك من يشتريها جاهزة وتسمى "الديول"، ويتم إعداد الحشوة في البيت كل منطقة في الجزائر تشتهر بنوعية معينة من الحشوة، البعض يحيشها باللحم، أو البطاطس المسلوقة، أو الأرز، أو "السمك" المعلب، أو الخضار المطبوخة كالكوسا والباذنجان، ويمكن لفها اسطوانية، أو على شكل مثلثات".
عثمانية جزائرية
ووفق الباحث في التاريخ والتراث الجزائري، فوزي سعد الله، فإن "البوراك بمختلف أنواعه وأشكاله الهندسية ومحتوى أحشائه، هو أكلة شعبية محبوبة منذ قرون، ولم ينجح الزمن في زحزحته عن صدارة الموائد، لا سيما موائد الإفطار في رمضان".
ويقول سعد الله: "البوراك العنابي اتخذ منذ عقود شعبية خاصة ومكانة مهمة في فن الطبخ بمدينة عنابة (شمال شرق)، التي تسكنها أقلية مهمة من المنحدرين من العثمانيين منذ القرنين 16م و17م، مثل عائلة بن الخَمَّار".
و"ما هو مؤكد هو أن "البوراك" شائع في مختلف جهات الجزائر، على الأقل منذ العهد العثماني، ويُحتمَل جدا أن انتشاره بها جاء مع العثمانيين، الذين انضوتْ الجزائر تحت رايتهم، في أعقاب سقوط غرناطة عام 1492م"، بحسب سعد الله.
ويلفت إلى أن "المصادر التاريخية العثمانية والغربية تذكر أن البوراك في أوْج ازدهار فن الطبخ العثماني، خلال القرنين 16م و17م، كان يتم حشوه باللحم المفروم والأجبان ولحم الدجاج والبصل والخضر، وحتى بالمشمش المجفف والتَّمر والكستناء والتفاح".
ويضيف الباحث الجزائري أن "أنواع البوراك بلغت المئات في مختلف الأقاليم التركية، وفق ما تتضمنه هذه الأكلة، ـوحسب أشكالها الهندسية وأساليب طهيها بالقلي أو في الفرن أو حتى بالتغلية"، موضحًا أن كل المؤشرات تدل على أن البوراك جاء وجاء إلى بقية العالم من الأناضول.