فلسطين أون لاين

​الأقصى تحت حصارٍ أقسى.. "ثكنةٌ عسكرية" بلا مصلين

...
الاحتلال يواصل إغلاق الأقصى (أف ب)
القدس المحتلة / غزة - نبيل سنونو

غاب الأذان والصلاة عن المسجد الأقصى؛ ليس هذا تحذيرًا أو تخوفًا، إنه واقعٌ تنتشر فيه قوات من جيش وشرطة الاحتلال في ثاني المسجدين، وأولى القبلتين لدى المسلمين؛ تفتيشٌ وتهويدٌ وتهديدٌ لمعالمه الإسلامية، وحتى لوجوده.

يصرخ الأقصى فيما وصف بأنه أقسى أيام الحصار التي يتعرض لها منذ 1967م، لكن بالكاد يصدر صوت عربي أو إسلامي من هنا أو هناك، بتنديد أو استنكار لا يغير من الواقع على الأرض شيئًا.

يبدو للمقدسيين، أن الاحتلال يقترب من تحقيق أهدافه مستغلًا حالة الصمت العربي والإسلامي؛ ويدور الحديث عن نوايا الاحتلال تقسيم المسجد مكانيًا، فضلًا عن التقسيم الزماني، وصولًا إلى هدمه وبناء "الهيكل" المزعوم على أنقاضه، لكنهم يؤكدون أنهم بكل ما أوتوا من قوة لن يسمحوا بتمرير هذه المخططات.

وعالميًا، عملت (إسرائيل) وحلفاؤها على غض الأنظار عن أن العملية الفدائية التي نفذها ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم، الجمعة الماضية، هي لمقاومة الاحتلال الذي يغتصب المدينة المقدسة بقوة السلاح غير الشرعي في القانون الدولي، منذ عقود طويلة، وعن أن المسجد الأقصى يتعرض يوميا لمحاولات التهويد والإمعان في الحفريات، سواء أكانت هناك عمليات فدائية أم لا.

أمانةٌ في أعناقنا

"لا يزال المسجد الأقصى مغلقًا تمامًا في وجه المسلمين؛ وسلطات الاحتلال تعيث فسادًا في المسجد وبوثائقه التاريخية"؛ يؤكد ذلك رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، لصحيفة "فلسطين"، محملًا سلطات الاحتلال "مسؤولية هذا العبث بهذه الوثائق".

الطرق المحيطة بالمسجد الأقصى مُغلقة، ويرافق ذلك أزمة سيرٍ خانقة في المدينة، والحركة التجارية متوقفة، وتريد سلطات الاحتلال فرض عقوبات جماعية؛ بحسب صبري.

ويضيف: "هذا الأمر مرفوض"، مبينا أن حكومة الاحتلال تريد "أن ترضي اليمين المتطرف اليهودي، وأن تنتقم من أهالي مدينة القدس، وهذا الأسلوب من الاحتلال مرفوض، ونحن نستنكر ذلك، ولن تخيفنا الإجراءات التعسفية".

ويؤكد أن قوات الاحتلال تعبث بمخطوطات تاريخية قديمة ذات علاقة بتاريخ القدس والعلوم الشرعية الموجودة في خزائن حديدية، بحسب صبري، الذي يوضح أن قوات الاحتلال كسرت هذه الخزائن وعبثت بها وربما تكون سرقتها.

وتنتشر قوات الاحتلال داخل المسجد الأقصى، كما تزج سياراتها العسكرية في ساحاته، ويعتلي جنود الاحتلال المآذن، ويمنعون رفع الأذان.

وهذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها سلطات الاحتلال صلاة الجمعة في المسجد الأقصى منذ سنة 1967م، بحسب المراقبين.

ومن خلال تحويل المسجد الأقصى إلى "ثكنة عسكرية"، يريد الاحتلال تحقيق أهداف كثيرة وأطماع معروفة، كما يوضح رئيس الهيئة الإسلامية العليا، الذي يقول: "نحن لهم (قوات الاحتلال) بالمرصاد".

ووفقًا لإفادته، فإن من غير المعلوم ما التغييرات التي قد يجريها الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى منذ إغلاقه في وجه المصلين، "وأيًا كانت لن نوافق عليها ولن نسمح بتنفيذها".

ويشدد صبري على أن الأقصى هو "أمانة في أعناق الجميع؛ هذا المسجد هو ليس لأهل فلسطين وحدهم بل لجميع المسلمين في أرجاء المعمورة".

أما المقدسيون، فهم يبذلون ما في وسعهم لصد محاولات التهويد، "كلٌّ في موقعه، وحسب طاقته"، يواصل حديثه.

"الأقصى يبكي"

وأجرت شرطة الاحتلال عمليات تفتيشٍ واسعة في الأقصى تخللَها تكسير لأبواب وعبث في محتوياته، فضلًا عن تفتيش مسجد قبة الصخرة خمس مرات، بحسب مدير المسجد الشيخ عمر الكسواني، الذي عقد مؤتمرًا صحفيا أمس، بعد سماح الاحتلال له بدخول المسجد، للقيام بجولة هي الأولى لمسؤول كبير في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، منذ إغلاقه أول من أمس.

"وجدنا المسجد فارغًا (من المصلين) وهي رسالة إلى كل العالم العربي والإسلامي بأن الأقصى يبكي مما يحصل له، فالاحتلال أمعن في ظلمه للمسجد الأقصى، فما جرى ليس حجة أن يغلق المسجد للبحث عن سراب"؛ يقول الكسواني.

ويضيف: "الساحات فارغة من المصلين وكل باب يوجد عليه أكثر من ثلاثة عناصر من الشرطة الإسرائيلية، وكل ما في عيادة المسجد مبعثر على الأرض، جميع الخزائن في المسجد الأقصى القديم مفككة"، متابعا: "قبة الصخرة فُتشت خمس مرات خلال النهار حسب ما قال لي رئيس الحرس في المسجد".

ووفقًا لشهادته، فإن شرطة الاحتلال "أخبرونا أنهم إذا لم يجدوا مفاتيح لأي من المرافق فإنه سيتم تكسير الأقفال، وفعلًا وجدنا عدة أقفال مكسورة، بما فيها أقفال الآبار في الأقصى القديم"، لافتًا إلى أن قوات الاحتلال تتذرع بأنها "تبحث عن سلاح في المسجد الأقصى وهذا سراب فلم ولن يجدوا سلاحًا، وبالتالي فإنهم يقومون بذلك من أجل أن تطول مدة إغلاق المسجد".

ورافق الكسواني في جولته في الأقصى التي لم تستغرق أكثر من ربع ساعة، عدد من ضباط شرطة الاحتلال. ويوجه مدير المسجد الأقصى الدعوة "لكل من يستطيع أن يأتي إلى المسجد ويشد الرحال إليه أن ينزل إلى الشوارع حتى تفتح أبواب المسجد ويعود الحال إلى إقامة الصلاة ورفع الأذان في الأقصى كما كان سابقًا".

الناشط المقدسي ناصر أبو قويدر، يؤكد من جهته أن الأقصى خال من المصلين والموظفين، باستثناء مهندس الإنذار المبكر ورئيس الحراسة.

ويصف في حديث مع صحيفة "فلسطين" الوضع في المسجد بأنه "صعب جدا"، مبينا أن الإغلاق يشمل أيضًا البلدة القديمة بأكملها، ولا يستطيع دخولها إلا من يقطنها فقط، والحواجز التابعة لجيش الاحتلال تنتشر على مداخلها.

وتنعكس هذه الإجراءات الاحتلالية على المقدسيين "بشكل سلبي"، إذ يبين أبو قويدر أن هذا الحصار يمنع المقدسيين من التحرك، ومن غير المعلوم ماذا تحمل الأيام المقبلة من إجراءات أخرى.

ويعتقد أبو قويدر، أن الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يقسم المسجد الأقصى مكانيًا إذا كان "هناك تخاذل وموافقة عربية"، لكنه يشير إلى أن صبر المقدسيين له حدود معينة، قائلًا: "الأقصى بالنسبة لنا كمقدسيين هو حياتنا".

وفي نفس الوقت، يرى أن الاحتلال سيسعى إلى تركيب بوابات إلكترونية على مداخل الأقصى كهدف يسعى إلى تحقيقه من خلال فرض هذا الحصار.

ويلفت إلى أن المقدسيين توجهوا إلى أقرب نقطة يمكنهم الوصول إليها لإقامة صلاة الجمعة، ومواجهة إجراءات الاحتلال، لكن ينبغي أن يكون هناك تحرك عربي وعالمي، "خاصة أن الأقصى هو للمسلمين جميعًا".

وبحسب ناشط مقدسي آخر، هو طارق الهشلمون، فإن سيارة عسكرية إسرائيلية اقتحمت الأقصى، وتم تفتيش جميع مكاتب الأوقاف، والصعود إلى المآذن، بذريعة البحث عن سلاح، مؤكدًا وجود جنود من الاحتلال داخل المسجد.

ويقول الهشلمون لصحيفة "فلسطين": "تم انتشار أكثر من 200 جندي داخل الأقصى لإحكام الخناق والإغلاق على المسجد، ومنع دخول أي شخص إليه"، معتبرا ذلك "تحديًا واضحًا لحكام العرب".

ويحذر من أن لدى الاحتلال "خطة واضحة وممنهجة وصريحة جدا لتطبيق المشروع الصهيوني في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم؛ هذا نراه أمامنا على أرض الواقع عندما يتم إبعاد المقدسيين عن المسجد لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر لتفريغ المسجد من الشباب والشيوخ وموظفي الأوقاف".