يعتقد البعض أنني حشرة، ولكني لست كذلك، لي من الأرجل ثمانية وليس ستة، فضلا عن أشياء أخرى تميزني عن الحشرات. أنسج بيتاً من خيوط رقيقة، مادة صمغية أُفرزها من لعابي أعيش بين خيوطه لتعلق به الحشرات لأتغذى عليها.
اعلموا أن كلمة عنكبوت تُطلق على الأنثى، أما الذكر فاسمه عنكب، والأنثى هي من تقوم بنسج خيوط البيت، بينما لا يستطيع الذكر فِعل ذلك. فإذا أتمت الأنثى بناء البيت، جاء ذكر وحدث التزاوج وأُخصبت البيوض، تقتل العنكبوت الذكر حينها وتلتهمه، وبعض الأنواع منها تبقيه لصغارها الذين يفقسون بعد فترة قصيرة ليقوموا هم بقتله والتهامه، وقتل الدتهم والتهامها أيضاً.. وبما أن العنكبوت لا يكوِّن أسرة ولا يعرف نظام التآلف الاجتماعي والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ ضرب الله فيه المثل " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت". وكانت العرب قبل مجيء الإسلام ونزول القرآن تضرب المثل في هشاشته، قائلين:" أوهن من بيت العنكبوت".
وبرغم ضعف بيتي الذي يُضرب فيه المثل، فإني كنت سبباً في حماية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه من أذى الكفار في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة.
خرج رسول الله مهاجراً من مكة برفقة أبي بكر، كانا يسيران في الليل، ويختبأن في النهار؛ حتى لا يعثر عليهما كفار قريش الذين كانوا يبحثون عنهما ليقتلوهما، ووضعوا أيضاً جائزة مالية كبيرة لمن يدلَّهم على مكانهما.
اختبأ رسول الله وأبو بكر في غار حراء.. تتبَّع المشركون آثار أقدامهما حتى وصلوا إلى مكان قريب من فوهة غار في وسط الجبل بين الصخور، حيث انقطع أثر الأقدام.. أخذ الكفار يبحثون في المنطقة بإصرار: لا بد لنا من العثور على محمد وصاحبه.. لن ندعهم يهربون منَّا هذه المرة.
فتشوا الجبل دون جدوى، وكأنهما أصبحا بخاراً طار إلى السماء.
لاحظ الكفار وجود فجوة واسعة يمكن لبشري أن يدخل منها في جوف الجبل.. نظروا إليها باستغراب.. وكنت قد نسجت شبكة كبيرة غطت فوهة الغار بالكامل.. وقف أحد المشركين أمام شبكتي، نظر إلى الداخل، فلم يرَ شيئاً.. وجود شبكتني أشعرته بالطمأنينة وأكدت له أنه لا يمكن لأحد أن يدخل للغار وتبقى الشبكة كما هي، دون أن تتمزق.. إذن محمد وصاحبه ليسا هنا.. فلماذا نضيع وقتنا في البحث في مكان خالي!!
في هذه اللحظات المخيفة، التي وقف فيها كفار قريش بباب الغار، يحملون سيوفاً حادَّة تلمع تحت ضوء الشمس، يملأ وجوههم غضب وحقد وقسوة، كان أبو بكر يرتجف خوفاً بجانب الرسول في أرض الغار.
يهمس أبو بكر قائلاً:" والله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا".
فيرد رسول الله قائلا:" ما بالك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن.. إن الله معنا".
ويذهب الكفار في سبيلهم، وقد يئسوا من العثور على رسول الله وصاحبه، فتأتي أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين" إلى الغار، وتطمئنهما بابتعاد الكفار، وتوصل لهما الطعام..
يتابع رسول الله وصاحبه طريقهما، وينجحا في الوصول إلى المدينة بسلام.