الغبقة الرمضانيّة تقليد تاريخي اجتماعي في دولة قطر، وهي وليمة تقام قبل منتصف الليل، بعد صلاة التراويح، وقد اعتاد القطريون إقامة "الغبقات" الرمضانية في ليالي الشهر الفضيل، خصوصاً في الأيام العشرة الأخيرة، ويدعون الأهل والأصدقاء إلى بيوتهم.
و"الغبقات" بالنسبة للقطريين، فرصة لتعزيز التعارف والترابط الاجتماعي، وغالباً ما تُقام بين الساعة الحادية عشرة ليلاً والثانية صباحاً، ليسهل على المدعوين تلبية الدعوة، وعند إحيائها، يلتزم الجميع اللباس التقليدي، وإبراز كل ما له علاقة بالتراث.
والغبقة في اللغة كلمة عربية أصيلة من حياة البادية، ويرجع أصلها إلى "الغبوق"، وهو حليب الناقة الذي يشرب ليلًا. وهي عادة عربية قديمة تعني تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، حتى أنه من الأسماء التي تطلق على شهر رمضان في قطر، شهر الغبقات، والهدف من التسمية هو التجمّع.
وللشباب والرجال والنساء أماكنهم الخاصة للتجمع وهذه الوليمة التي تتسع دائرتها ويكثر عدد مدعويها، وتكون خاصة بالأقارب أو أهل الحي والمنطقة، وإذا كان المشتركون فيها أهل الحي يجتمعون ويتفقون على أصناف الأكل والحلويات والمشروبات.
ويقول ماهر العبد الذي عاش في قطر لنحو عقدين: إن "الغبقة" عادة ما تقام كل يوم أو يومين في بيت أحد أفراد العائلة لتجمعهم الألفة والمحبة على مائدة واحدة، وفيها تتجمع النساء أيضاً ويستعدن شريط الذكريات، خصوصاً أنهن يقطنّ في الحي نفسه، يضاف لذلك تبادل المأكولات الرمضانية بين الجيران، والتي تتميز بغنى أطباقها التقليدية.
ويلفت إلى أن إقامة "الغبقات" الرمضانية لم يعد مقتصرًا على المجلس والبيوت بين العائلات والأصدقاء والأقارب، إذ انتقلت في العقود القريبة إلى الفنادق والخيام الرمضانية سواء من الأشخاص أو المؤسسات.
عادة صحية
وتعد "الغبقة" عادة مفيدة من الناحية الصحية، ففيها يتناول المدعوون الوجبة الرئيسة بعد إفطار خفيف، وهي نظام غذائي مفيد للمرضى، خصوصاً مرضى السكري الذين يُفضّل أن يتناولوا وجبات صغيرة عدة.
واشتهرت الغبقات قديما بعدد من المأكولات، أهمها وجبة (لمحمر) والمكونة من الأرز المطبوخ بخلاصة التمر، والسمك الصافي المقلي، إضافة إلى "الثريد" وهو خبز مفتت ولحم ومرق، و"الهريس" وهو القمح المغلي المهروس أو المطحون مع اللحم، كما يبين العبد.
ويضيف أنه وفي الوقت الراهن صارت مائدة "الغبقة" أكثر تنوعا، ودخلت عليها الأطباق الغربية والحلويات المحلية والشرقية والغربية، ولكنها لا تزال تحافظ على الأطعمة التراثية الحاضرة في غبقات المجالس والعائلات والوجهاء.
وكانت "الغبقة" في الماضي تتكون من "البرنيوش" وهو عبارة عن عيش مطبوخ بالسكر أو بالدبس المستخرج من التمور، الذي هو عبارة عن خلاصة التمر أو عسل التمر، بالإضافة إلى السمك المشوي أو المقلي أو المطبوخ أيّ على جميع أشكاله، وهناك من يفضل المكبوس/ المجبوس (أرز الكبسة) ومنهم من يفضل "المشخول"، وهو خليط من الرز الأبيض والأصفر وبعض الخضار والمكسرات ويعد مع اللحم أو الدجاج، حيث إن جميعها أكلات شعبية لا تقدم على وجبة الإفطار، وقد يفتقدها الإنسان طوال شهر رمضان المبارك.
في الماضي كانت تقدم الحلويات مثل "الساقوا واللقيمات أو النشأ أو العصيدة أو البلاليط" بالإضافة إلى التمر الهندي والشاي والقهوة والمشروبات الأخرى.
أما في الوقت الحديث فقد تغيرت الأصناف وأضيف لها حلويات جديدة كالحلوى الهلامية (جلي) وكريم كراميل وآيس كريم وكيك بالزبدة وحلويات منوعة لا يحصى عددها ولا أسماؤها.
وفي غرة رمضان، تحرص العائلات على الاجتماع في "البيت العود"، أي بيت الجد، تعزيزاً لصلة الرحم علهم يكسبون أجراً مضاعفاً خلال الشهر، والذي تتعزز فيه الروابط الأسرية وتبرز أواصر العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة.