فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

كيف تعيش مع القرآن غضًّا؟! (1-2)

السلام عليكم سيدي عبد الله بن مسعود، أبا عبد الرحمن ورحمة الله وبركاته، أم تحبُّ أن أناديَك بابن أم عبد، هذه المرأة العظيمة التي أعدّتك لتكون محرَّرًا في محراب القرآن وخدمة النبيّ عليه السلام؟!

تبدو أقاحيّ الحياء بارزةً على الوجه المسعودي الشريف، لنسألَه سؤال هذا العدد من صحيفتنا الناشئة التي طوت في تضاعيفِ أوراقها المميزة خمسَ عشرةَ سنةً: ماذا يعني لك القرآن؟ وكيف استطعت أن تصل فيه إلى هذه الدرجة التي لا تدانَى ولا تقارَب؟

يعتدل في جِلسته، وقد بدا من انعكاسِ صفاءِ روحهِ أبيضَ الوجه جدًّا على عكس ما تحكيه بشرتُه، وقد خِلناه طويلًا ممتدًّا على قصَر قامته رضي الله عنه، ثم يقول:

باسم الله الذي أخضع الرقاب لحكمته، وأنار الدنيا بفضله وكرامته، كلامُه الفصلُ ليس بالهزل، لا يخلَقُ على كثرة الردّ، ولا يبلَى في القلب على توالي الأيام والتلاوة، والصلاة والسلام على النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي كان يتخوّلنا بالموعظة في الأيام مخافةَ السآمة علينا، والذي شرّفني الله تعالى بأن أكونَ أمينَ سرّه، وصاحبَ نعلِه، ووسادِه، وسواكِه، وطَهورِه، أوقظُه وقت صحوِه المعتاد، وأحملُ عصاه، وأمشي أمامَه، وأستره إذا اغتسل، ولَكَم مشينا في البيداء خَليّيْن لا يرافقنا إلا الأثيرُ وحفيفُ الشجر. وبعد،،

فإنّ كتابَ الله تعالى أعظمُ كلامٍ وأجلُّه، وأرقى سياقٍ وأدقُّه، وأهنى تأثيرٍ وأعظمُه، لا يعطيك بعضَ أسراره حتى تمحّضَه نفسَك واهتمامَك الكاملَ.

ومن أجل ذلك، ولمحبّتي التخطيطَ منذ أظفاري الناعمة؛ فلقد كان هدفي أن أكونَ الأولَ في صفّ الصحابة بمادة القرآن عند أستاذنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبالفعل لم يمنعني عن شهود محاضراته شيءٌ، ولم أغِب مطلقًا لا في ليلٍ ولا نهارٍ، ولا صحةٍ ولا مرضٍ، ومهما كان الطقسُ وتقلباتُه، ومهما كانت انشغالاتي الخاصة، بل لقد حضرت المغازي كلَّها، لا سيما معركة الفرقان بدر الكبرى، حتى أكرمني الله باستماع سبعينَ سورةً مِن فِي رسول الله مباشرة أنقلها عنه بالسند المتّصل المتفرّد المميّز بحديث القلب للقلب لا الفمِ للآذان!

ولمّا رأى الأستاذُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حضوري وانتباهي وتميّزي كلّفني بمتابعة المستجدّين على قاعتنا من أصحابه وأصحابي، فكنت أعلمهم وفاقًا لطريقةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهديِه أقفُ عند وقوفه، وأمدُّ وأقصر، وأظهِر وأُخفي، وأدغم وأغنّ، حتى أعطاني وسامَ أن أكونَ المرجعَ الأولَ للصحابة في القرآن مقدَّمًا حتى على أئمة القراءة من طلبته؛ سالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، رضي الله عنهم أجمعين.

حتى إنك الآنَ تجعلني أستعيد شريطَ الذكريات إلى يومِ اختلفنا فيه حول مسألة في القرآن وقلتُ رأيي، شفعتُه بقولي: ولقد علم أصحاب رسول الله -أعني تلاميذه- أني أفضلهم في القرآن، ولو أعلم أحدًا أفضل يُرتحل إليه لم أتردد في المسير إليه. فما ردّ أحدٌ عليّ مقالتي، وفيهم عليٌّ رضي الله عنه، وهو من هو.