أنا الهدهد.. هل سمعت بي من قبل؟ أنا طائر جميل، رشيق الحركة، على رأسي تاج من ريش أشقر اللون في نهاياته سواد ينتهي عند منقار طويل رفيع داكن اللون، ريش جسدي ملون، ما بين خطوط سوداء وبيضاء تغطي أجنحتي وجسدي من الخلف، إلى ريش أشقر يغطي مقدمة جسدي.. أنا طائر ذكي، سريع الطيران، أصبر على الجوع والعطش، وأدافع عن نفسي بشراسة إن تعرضت لخطر.
كرَّمني الله تعالى بِذِكري في القرآن الكريم في سورة النمل، وكان لي مع نبي الله سليمان والقوم الذين يعبدون الشمس من دون الله، حكاية ذكرها القرآن الكريم بالتفصيل!
بدأت الحكاية عندما أمر نبي الله سليمان لاجتماع جميع الطيور في مجلسه.. وكان سليمان ملك عظيم، يحكم الإنس والجان والطير والحيوان، ولم يسبقه أحد في ذلك!
استجاب الجميع.. وبعد أن جلس على عرشه نظر للطيور الحاضرة وتفقدها، وانتبه لغيابي، فقال: "أين الهدهد؟ مالي لا أراه؟ هل تغيب عن الاجتماع الذي أَمرت به؟" وعندما تأكَّد من غيابي قال: "سوف أذبحه، ولن ينجيه من ذلك إلا إذا جاءني بعذر مقبول لغيابه، ينجيه من العقاب".
لم يطل غيابي حتى عدتُ واقتربتُ من قصر نبي الله سليمان، فسارعتْ إليَّ الطيور تسأل: "أيها الهدهد، ما الذي دفعك إلى التغيب عن الاجتماع؟ لقد أغضبت الملك سليمان، وتوعَّد بذبحك!
دخلتُ إلى مجلس سليمان قائلاً:" لدي خبر صادق لا تعلمه أنت ولا جنودك أيضاً، رأيت بعيني قوم تحكمهم امرأة، لها جيش كبير، يقيمون في أرض يقال لها مأرب في اليمن، وهذه الملكة تملك من متاع الدنيا وزينتها ما يملكه ملك قوي، لها قصر عظيم.. أما عرشها، فمرصَّع باللؤلؤ والجواهر الثمينة.. المصيبة أن هذه الملكة وقومها يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله"!
استحسن نبي الله سليمان كلامي، وحرصي الشديد على أن يُعبد الله في الأرض، فقال لي:" سنتأكد من مدى صدق كلامك".
كتب الملك سليمان رسالة إلى ملكة سبأ يدعوها فيها إلى الإيمان بالله وحده لا شريك وتَرْكِ عبادة الشمس.. ثم قال لي: "احمل هذا الكتاب، وأَلقِه في قصرها دون أن يشعر بك أحد، وانتظر وراقب عن بُعد ماذا ستفعل"!
قرأت الملكة بلقيس الرسالة، فتعجبت.. ثم جمعت مستشاريها وكبار الجيش والرجال في مملكتها وقرأت عليهم الرسالة، وطلبت منهم المشورة!!
قالوا لها: "نحن قوم أقوياء وشجعان، وأنت الملكة علينا والقرار هو قرارك.. وما تأمرينا به ننفِّذه في الحال"!
فقالت: "سأرسل لهذا الملك هدية عظيمة ولنرى ماذا سيفعل".
وصلت الهدية للملك سليمان، فأعادها إليهم قائلاً:" هل تعتقدون بأنكم تغروننا بالمال؟ ما أعطاني الله خير مما أعطاكم! والله إن لم تأتوني مسلمين، سآتيكم بجيشي".
عندما عادت هدية الملكة إليها، شعرت بالخطر.. فهذا الملك قوي لا يغريه المال.. وقالت في نفسها:" لماذا لا أترك الكفر وأتحول إلى عبادة الله؟"، وقالت: "رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين".
كان سليمان متأكداً بأن ملكة سبأ ستأتيه وقومها مسلمين.. فأمر من حوله من الجن أن يأتيه بعرشها.. وفي رمشة عين كان العرش أمام سليمان، رغم أن الملكة تسكن في بلاد بعيدة.. وهذه إحدى معجزاته..
أمر سليمان بإحضار العرش لتؤمن الملكة بالله عز وجل، وتزداد قناعة بعظيم نعمه التي يعطيها لمن يشاء.