دولة عربية شقيقة أعلنت بالأمس إفلاسها وإفلاس مصرفها المركزي، ولا يمكن أن تصل اي دولة الى مرحلة الافلاس والفشل دون وجود فساد بكافة أشكاله، وهناك دول عربية كثيرة وصلت حد الإفلاس ولكنها تغطي نفسها بالقروض الربوية التي تزيد الطين بلة على المدى البعيد، وتلقى الأموال المسيسة والتي لا تقل وبالا عن القروض الربوية، ولذلك قد تبدأ الأنظمة الفاسدة بالسقوط الواحد تلو الآخر عندما تنضب خزائن الداعمين غير الشرعيين وعندما تصبح قيمة الفوائد الربوية لوحدها أكبر من قدرة النظام المتورط على سدادها.
نحن الفلسطينيين نسير باتجاه أزمة اقتصادية خانقة، ونحن نعاني منذ سنوات ولكن الأزمة لم تصل ذروتها بعد لكننا اقتربنا منها كثيرا، ورغم ذلك لا نجد أي خطوات حقيقية من الجهات الرسمية وغير الرسمية لمعالجة الأزمة وتفادي ما هو قادم، قد تكون هناك محاولات ترقيعية لمعالجة بعض الظواهر ولكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الجدية.
أنا لا أستوعب أن يعيش جزء من شعبنا على مئة دولار أو على مخصصات الشؤون الاجتماعية غير المنتظمة بينما يعيش مسؤول الشؤون الاجتماعية على آلاف الدولارات بشكل رسمي وما خفي أعظم، ليس فقط مسؤول الشؤون الاجتماعية بل هناك المئات ممن يتقاضون مبالغ خيالية مقارنة بمتوسط دخل الفرد في فلسطين مقارنة بنسبة الفقر أيضا، حتى لو لم يفصح البعض عن القيمة الحقيقية التي يتلقاها فإن مدى الرفاهية التي يعيشها وأفراد أسرته وما يملكون من عقارات ومركبات ومصالح تجارية يدل على أن الأمور غير طبيعية مطلقا، وهذا كله إهدار للمال العام سواء كان ذلك بطرق مشروعة أو بطرق غير مشروعة، ومحكمة الفساد مليئة بالنماذج والأدلة على نهب المال العام.
ما دمنا نعيش تحت احتلال لأوضاعنا الاقتصادية من سيئ إلى أسوأ لا بد من تقليل الفجوة بين المواطنين والمسؤولين، فلا بد من خفض الرواتب التي لا تتناسب مع اقتصاد البلد وقدرته ورفع الرواتب المتدنية، لا بد من المحاسبة وتفعيل سياسة "من أين لك هذا؟"، كما لا بد من وقف الاحتكار الاقتصادي الذي من خلاله تسيطر فئة محدودة على معظم مصالح البلد بدعم من جهات عليا، والأهم من ذلك يجب على المسؤولين أن يثبتوا أنهم على قدر المسؤولية في عملوا على إنشاء مشاريع اقتصادية حقيقية وتوفير فرص عمل للمواطنين، المواطن لا يريد مخصصات الشؤون الاجتماعية بل يريد عملا يعتاش منه ويحفظ كرامته، وإن لم نبدأ السير بالاتجاه الصحيح ومعالجة الأزمة الاقتصادية من جذورها ستكون نهاية السنوات السمان التي يعيشها القادة والمسؤولون أقرب مما يظنون.